‘مخرب السينما الفرنسية’ يكتب عن حب السينما

خلود الفلاح

كتاب “أفلام حياتي”، تأليف المخرج فرنسوا تريفو (1932-1984)، نقد سينمائي لمجموعة من الأفلام السينمائية، وأشار مترجم الكتاب السعيد بوطاجين إلى أن هذا الكتاب يعد “إضافة نوعية للقارئ العربي الذي له اهتمامات بالخطاب السينمائي، أو الذي يريد معرفة مراحل صناعة الفيلم وأسرار الكتابة والسيناريو والتركيب والإخراج والصورة والإضاءة”.

ويلفت المترجم إلى أن “الحكاية ليست إلا أحد مكونات الفيلم، لكن نقلها إلى الجمهور يستدعي عملا جبارا قد لا يحدسه المشاهد، ولا ينتبه إلى أهميته في إنتاج المعنى وتقويته بتقنيات أخرى غير تجليات الحكاية والبنية الكبرى للفيلم”.
ثلاثة أقسام

يضم الكتاب في قسمه الأول “السر الأكبر”، وهو مخصص لمخرجين بدأوا حياتهم المهنية مع السينما الصامتة وأكملوها في الناطقة. أما القسم الثاني الذي جاء بعنوان “بعض قليلي الحظ” فهو يشير إلى مخرجين قدموا أفلاما عظيمة، ولكنهم لم يأخذوا حظهم من الأضواء كـ إنجمار برجمان، ونورمان ماك لارين. وينتهي الكتاب في قسمه الثالث بمناقشة مسألة “أصدقاء الموجة الجديدة”.

ويلفت المترجم السعيد بوطاجين إلى أن الناقد والمخرج فرنسوا تريفو لم يلتزم بمنهج واضح في النقد، ففي هذا الكتاب شيء من الانطباعية وشيء من السيميولوجيا والكثير من الإلمام بالفن السينمائي وتركيباته: الفكرة، النص، السيناريو، الإخراج، الديكور، الإضاءة، التمثيل، الاقتباس، التركيب، الحوار، الإيماءة، الصورة، التصميم، البناء، العلامة، اللون، الحركة.

يوضح المترجم السعيد بوطاجين أن إحدى مميزات الناقد فرنسوا تريفو هي عدم استناده في نقده السينمائي للأفلام التي كتب عنها في هذا الكتاب إلى أي معيارية أحادية الرؤية.

يتعامل تريفو مع الفيلم المغلق تارة ومع الفيلم في علاقته بالعالم الخارجي تارة أخرى، بسياق الإنتاج وسياق التلقي، وعادة ما يتناول التفاصيل بدقة متناهية وبمهارة، والأهم أنه لا يتحامل ولا يجامل.

يركز على نقطة ما في الفيلم كجملة أو حوار أو لباس. ويقوم بتفكيك الموضوع بحرفية، يعرض الفجوات والتناقضات، ويقدم البديل الذي يراه مناسباً، لكنه يفعل ذلك بحب، وهذا أمر مهم في النقد السينمائي بحسب تريفو.

الملفت كما يقول المترجم السعيد بوطاجين في هذا الكتاب أن فرنسوا تريفو المخرج كان حذرا ومختلفا عن تريفو الناقد المغامر، مدمن السينما، المتهور أحيانا، “لقد اكتسب خبرة النظر بأناة وتؤدة قبل أن يكتب جملة واحدة، وإذ يكتبها تجيء صافية ومضيئة وعارفة وممتلئة بالعيون التي ترى ما لا يراه حتى كبار المخرجين.
بيد أنه ظل متواضعا، ملتزما حدود ما تمليه الأخلاق الفنية حتى عندما كان يبدي ملاحظاته التي لا يمكن إنكار قيمتها، ولا إسهامها في ترقيع مطبات سينما بلده على الأقل”.

ويشير المترجم إلى أن تريفو يكتب كما يفكر، كما يتكلم، كما يرى، لهذا يجد المترجم صعوبة في التعامل مع تقاطعاته اللغوية، إضافة إلى مسألة المداورات الأسلوبية والاستعانة بالتعابير والألفاظ العامية التي تربك المترجم.
كنت ناقدا سعيدا

يضم كتاب “أفلام حياتي”، حسب صاحب “نوتة عازف البيانو”، حوالي مئة وألف كلمة، وهذه الكلمات لا تمثل سوى سدس ما كتبه الناقد في المجلات والصحف، فهو لا يحتوي إلا على القليل من الانتقادات العنيفة، مع أنهم ألصقوا به وقتها شهرة “مخرب السينما الفرنسية”.

كانت متعة مشاهدة الأفلام بالنسبة إلى المخرج فرنسوا تريفو تعود إلى عام 1942، عندما قرر ذات يوم عدم الذهاب إلى المدرسة والهرب لمشاهدة فيلم “زوار المساء” للمخرج مارسيل كارني، وكان ثمن هذا الهروب الشعور بآلام حادة في البطن، المعدة، والخوف في الرأس.

وهنا قال “كانت لي رغبة في الدخول على الأفلام، وكنت أحقق ذلك بالاقتراب من الشاشة، كنت أرفض أفلام العصر، أفلام الحرب وأفلام الوسترن لأنها تجعل التقمص صعبا. بقيت لي، وعن طريق التصفية، الأفلام البوليسية والأفلام العاطفية”.

يقول صاحب “البشرة الناعمة”، كثيرا ما يتم سؤالي متى كانت لي الرغبة في أن أصبح مخرجا أو ناقدا، وفي الحقيقة كنت لا أجيب عن السؤال، كنت أعرف فقط أني أريد الاقتراب من السينما أكثر فأكثر. وأولى مراحل هذا التعرف على السينما كانت بمشاهدة أفلام كثيرة، أما الثانية فتتمثل في تدوين اسم المخرج أثناء الخروج من القاعة، وتتمثل الثالثة في إعادة مشاهدة الأفلام نفسها.

وأشار تريفو إلى أن السينما كان لها تأثير المخدرات، إلى درجة أن نادي السينما الذي أسسه عام 1947 حمل اسما موحِيًا، “حلقة مدمني السينما”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى