شبل الكومي يتناول الواقعية الروحية في الأدب والفلسفة

يقدم د. شبل الكومي في كتابه “الواقعية الروحية في الأدب والفلسفة” جزلة فكرية تربط الأدب بالفلسفة، فهو ينتقل بيسر بين أفكار الفلاسفة مضيفا وجهة نظره، حيث يرى أنه بين الأدب والفلسفة يقف الناقد الفلسفي ومنهجه، مثل منهج البحث الفلسفي، يجمع بين الوصف والمعيارية في آن واحد، وهو مجموعة من الآراء والنظريات الأدبية والفلسفية والعلمية ارتبط بعضها ببعض ارتباطا يجعلني أعتقد أنها وحدة متسقة.

وفي الفصل الأول من الكتاب، يتناول رحلة البحث عن الحقيقة للكاتب باتريك موديانو في روايتي “عشب الليل” و”الأفق”، وتدو رواية “الأفق” بتأمل الشاب بوسمان لحياته التي يجدها مليئة بالشك والريبة، إنه نفس الموضوع تقريبا البحث عن الحقيقة المراوغة المتناقضة.

منذ زمن ليس بالبعيد أخذ بوسمان يتأمل فترات من شبابه فترات منعزلة جادة التواصل، ووجودها دون أسماء، ولقاءات هاربة، كانت كل هذه الأشياء تنتمي إلى ماض بعيد، ومع أن هذه الأحداث القصيرة لم تكن تمت بأي صلة إلى باقي فترات حياته، فقد بقيت عالقة في حاجز سرمدي، لطالما تساءل عنها، لكن الإجابات ظلت على الدوام نهائية.

وعن الواقعية الروحية، يقول: فكرة الروحية تنشأ عن إجابات الإنسان بأنه ليس مطالبا لجسده، فليس جسدي هو أنا، أنا أحس بأنني أكبر من جسدي، الروح هي إرادة العلو، إن الروح تقف خلف التحول التاريخي للعالم الذي قد يكون نتيجة تنشأ عن تحول وجهة نظر الإنسان إلى العالم، والتي تظهر عن طريق أفعاله.

ومهمة الأدب في الواقعية الروحية هي توسيع حقل رؤيتنا والتجربة ضد كل الأفكار المسبقة، وإذ كنا قد قلنا إن الحقيقة في إدراك وحدة الأضداد، فالعمل الأدبي لا بد أن يشمل التجربة الإنسانية بكل متناقضاتها، فيصور الإنسان في بعد الواقعي الطبيعي، وكذلك في بعده الرومانسي المثالي، وكذلك في بعده الواقعي الروحي.

أما عن كيفية إحلال العقل بالروح، فإن هذا يتطلب معرفة يسار نظرية المعرفة في الغرب، أوجزها في الآتي: يقول أفلاطون إننا يمكنا إدراك الأفكار “المثل” بمعونة حدس عقلي غير خاطئ، بمعنى أننا نتصور (نتخيل) “المثل أو الأفكار”، أو ننظر إليها بـ ”عين العقل”، وهي فكرة يعتقد أفلاطون أنها مماثلة لفعل النظر، ولكنها تعتمد اعتمادا كليا على عقلنا فتستبعد أي عنصر يعتمد على حواسنا.

أما وجهة نظر أرسطو فأقل جذرية من وجهة نظر أفلاطون، ولكنها ترقى إليها في نهاية المطاف، فرغم قوله بأننا لا نصل إلى التعريف إلا بعد قيامنا بملاحظات عديدة، يعترف بأنها الخبرة الحسية لا تدرك بحد ذاتها الجوهر الكلي، ولذا لا يمكنها تحديد تعريف كامل، وفي النهاية يفترض أرسطو سلفا أننا نحوز حدسا عقليا، بمعنى فذلكة ذهنية، أو عقلية تمكننا من إدراك جواهر الأشياء، ومعرفتها دون الوقوع في خطأ.

ويرى الكاتب أن الواقعية الروحية تنطلق من المبدأ الذي قال به الفيلسوف العربي الكندي “أن كل ما يقع في الكون يرتبط بعضه مع بعض ارتباط علة بمعلول، ثم إننا متى عرفنا موجودا من الموجودات معرفة تامة كان لنا منه مرآة تعكس فيها سائر الموجودات في العالم”.

• الواقعية الروحية ومشكلة الحقيقة

ويتطرق الكاتب إلى الواقعية الروحية ومشكلة الحقيقة، قائلا: تقف نظرية الواقعية الروحية موقف التضاد من النظرية الميتافيزيقية الذرية، وهي النظرية التي قال بها ليسبوس وديموقريطس، ومن الواضح أن اجتماع الذرات على ترتيب معين راجع إلى حركتها، هذه الحركة التي تحدث اتفاقا في جميع الجهات دون تدبير أو غاية.

وتمثل الوضعية المنطقية آخر مظاهر النظرية الذرية حاليا، وتمثل الدعوة إلى فلسفة تتجه إلى حل المشكلات أكثر مما تتجه إلى بناء المذاهب، فلسفة تؤثر التحليل والوصف على البناء التركيبي وليس بالنظر التأملي كما هو الحال في الواقعية الروحية التي تحاول أن تبني مذهبا أو نظاما، يضم هذه الأفكار العامة.

وأخيرا، يرى المؤلف، أن المشكلة الميتافيزيقية هي مشكلة بيعية الوجود، الوجود بمعنى الوجود الكامل التام، بمعنى “الاوسيا” وهذا هو مدار اختلاف أرسطو مع أفلاطون، ذلك لأنه يذهب إلى أن هذا الموجود التام الذي هو الاهتمام الأول للميتافيزيقا وموضوعها الأساسي ما هو إلا شيء جزئي، ويوجد وجودا فعليا، ولا يمكن أن يكون كما قال أفلاطون صورة أو صورا لأن الصور هي صور لشيء ما.

يذكر أن كتاب “الواقعية الروحية في الأدب والفلسفة” للدكتور محمد شبل الكومي، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ويقع في نحو 422 صفحة من القطع الكبير.

(ميدل ايست أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى