ميشال عون يروي سيرته في كتاب

أمندا برادعي

كان ميشال عون الذي أصبح رئيساً للبنان يحلم صغيراً، بأن يكون مزارعاً، جراء حبه للأرض، لكن الفتى الذي نشأ في عائلة من الطبقة المتوسطة لم يكن يملك الإمكانات المادية لدخول جامعة خاصة فكانت الكلية الحربية المجال الوحيد المتاح لتأمين وظيفة. والشاب الذي أصبح ضابطاً وترقّى حتى أصبح قائداً للجيش ثم انتقل إلى السياسة من باب الفراغ الرئاسي عام 1988، بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل وتعذر انتخاب بديل، انفتحت شهيته على المنصب الأوّل في الجمهورية: رئاستها.
وبين قتال على الجبهات (حرب التحرير وحرب الإلغاء…) ولجوء إلى فرنسا، عاد الجنرال ليُحقّق طموحه الأكبر. الرئيس الصلب والعنيد فتح قلبه وعقله للصحافية ديزيريه صادق ليحكي لها عن جوانب أخرى من أفكاره ونظرته إلى الحياة وما بعد الحياة نشرتها في كتاب حمل عنوان: «ما به أؤمن». (صدر بالفرنسية والعربية -منشورات مؤسسة ميشال عون).
العماد عون المسيحي المؤمن الذي يعتبر أن ما هو غير ظاهر في حياته هو «الحنان» يعبّر في حياته عنه بتعلّقه بأفراد عائلته الثمانية عشر، ثمانية راشدين وعشرة أحفاد وبأن صورته معهم هي أجمل صورة له. وهو طلب إنجاز طاولة طعام مع ثمانية عشر كرسياً لتجتمع العائلة بأكملها حولها. فبرأيه أنّ «من الضروري أن تتشارك العائلة الطعام، فهذه لحظات ثمينة جداً في الحياة».
يشدد عون على حبّه لزوجته السيدة ناديا التي يعتبر أن زواجه منها هو الحدث الأبرز في حياته. ويروي أنه تعرف اليها في احتفال عسكري وأرسل لها رسالة مع ضابط صديق يعرفها وكان يخاف من أن يكون قصر قامته عائقاً، لكنها رحبت بالتعرف إليه وتم الزواج في خريف عام 1968.
يحرص عون على إظهار الجانب الإيماني في حياته اليومية والسياسية فهو مؤمن بأن الدين هو في خدمة الإنسان «ولكن الخطورة أن يصبح عرضة للاستغلال ومادة للتعصّب والتطرّف عبر احتكار الله في معتقد واحد ورفض الآخر المختلف بمعتقده وأن الله هو سرّ الحياة».
لا يهتم الجنرال بما يحصل بعد الموت «فليس لديه فضول إدراك ماذا بعد موته فهو لا يضيع وقته بـ «البحث لمعرفة ما لن أعرفه أبداً. ففكري لن يستطيع تخطي الحدود المفروضة عليه بالنسبة إلى مؤمن»، محيلاً سرّ الوجود إلى الله «لأننا إذا اكتشفنا هذا السرّ فإن الله لا يعود موجوداً». لكن عفوية عون ونوازعه الإنسانية لا تخفي الميل الكامل في روحه نحو تمجيد القوة والانضباط ويبدو تأثره واضحاً بشخصيات عسكرية قوية في التاريخ الفرنسي. ويقول إن «كبار رجال السياسة لامعون في مهامهم من دون شك، إلا أن ما يميزهم هو الصدق في التعاطي مع شعبهم». ويتحدث بإعجاب عن الجنرال ديغول الذي جمع الأمانة والقيادة بكل معنى الكلمة، ويذكر نابليون إبان الثورة الفرنسية عندما أصلح مدفعاً للثوار فهتفت الجماهير أن الملازم مع الثورة، فأجاب: «لا أنا مع سلاح المدفعية». ويستشهد بقصة «المراوغ» بازاران خلال الحرب بين إسبانيا وفرنسا حين قالت له الملكة: «أطلب من الفرنسيين أن يصلّوا كي نربح الحرب». فأجابها: «من ناحية الصلاة إن الإسبان يصلّون أكثر منا، ما نحتاجه في الواقع هو المال والرجال والمدافع».
وإذ يعتبر أن الخيانة هي انهيار أخلاقي وانحطاط، فإنها تولّد لديه اللامبالاة وحتّى الغفران «فقد سامحت الذين حاولوا اغتيالي وحتى لم أعاتبهم وهذا لأنني مسيحي في الأعماق، فالمسيح تجاوز بالغفران والمحبة خطّ المستحيل، وأعظم ما في التعاليم المسيحية أن نقاوم في موقف الضعف ونسامح في موقف القوّة».
ما زال عون يحلم، فكل شيء عنده يبدأ بحلم ، ليصل إلى شعاره الدائم: «حلم، إقدام، تمرّد».

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى