وليد جاسم الزبيدي يؤكد أن العراق ولاّدٌ بالشعر والشعراء

بسام الطعان
د. وليد جاسم الزبيدي شاعر وناقد عراقي من محافظة بابل قضاء المحاويل، مواليد 1956، خريج الجامعة المستنصرية/ كلية الادارة والاقتصاد، حاصل على بكالوريوس لغة عربية ـ جامعة بابل. وماجستير تحقيق مخطوطات عربية ـ جامعة الدول العربية ـ معهد التاريخ العربي. ودكتوراه تراث فكري من جامعة الدول العربية ـمعهد التاريخ العربي.

صدر له: “خرافة المرايا” ـ ديوان شعري. “جمهرة الاسلام ذات النثر والنظام” ـ دراسة وتحقيق. “حصى الانتظار” ـ ديوان شعري. “ذاكرة المكان ـ دراسة اجتماعية”. “محارتي” ـ ديوان شعري. محمد مهدي البصير مؤرخاً ـ نقد. أوراق ورأي ـ نقد. “تغريدات نخلة” ـ ديوان شعري. “فانتازيا النص في كتابات وفاء عبدالرزاق” ـ نقد. “الظاهرة الأدونيسية بين الاصالة وآفاق الحداثة” ـ دراسة نقدية. “أيقونات على مكتب الذاكرة” ـ ديوان شعر.

سألت: ماذا يعني هذا كله؟ فقال: كل أثر، ومنتج للإنسان في أي مجال ابداعي ما هو إلا حصيلة كدّ وتعب وحفر في صخور المعرفة ومناجم الفكر والمعرفة، وما إصداراتي المتواضعة إلا نقطة في بحر المعرفة الإنسانية، وكم كنت أتمنى وأنا في بداية خطواتي الثقافية أن أضعَ في مكتبتنا العربية إصداراً يستفيد منه الدارسُ والباحث. فالإنسان أكاديمي مثقف، يشكلّ نتاجهُ هويتهُ التي من خلالها يعرفه المجتمع (المتلقي)، وخبرة الإنسان ومفاهيمه وأفكاره لا بدّ أن يضعها بين يدي المتلقي، فما فائدةُ العلم دون نشره عن طريق كتاب أو جريدة أو مجلة أو ندوة أو مؤتمر، الحضور المعرفي بكل أنواع النشر والإعلام والملتقيات ضرورة وواجب لتلاقح الأفكار دون حبسها في أدراج المكاتب أو في العقل. وما قدمتُهُ بكل تواضع أتمنى أن يكون خطوة في الفكر والأدب العربي ويكون له بصمة واضحة ومؤثرة وسيكون القادم أفضل بعون الله.

وعن النقد قال: النقد هو قراءة للنتاج بكل صوره وفنونه، ويولدُ من رحم النّص وضمن ظروف كتابته مع ضرورة النظر الى ثقافة صاحب النّص. أمّا أن نجلب نظريات وأساليب ومدارس نقدية ونضعها على النّص، فهذه مفارقة خطيرة، بل غبية إذا ما استخدمها البعض الذين يدّعون (الحداثوية) أو (النقد الجديد) الذي يُترجم من أدبيات أخرى كي أطبّقها وأحرق بها النّص العربي.

بعض النظريات والأساليب الأدبية في الأدب والفكر الغربي لا تتماشى مع نصنا العربي لخصوصية النّص أولاً، ثم خصوصية المنتج (الشاعر، القاص، الروائي، المسرحي..)، علينا أن نكتب وفق مقاييس ما وصلت اليه تجربتنا لا أن نحلق عالياً مع نظريات ارتبطت بنتاج لم يُكتب عندنا أو لم نصل اليه الى الآن. وأجدُ في الساحة العربية نقاداً من الطراز الراقي يكتبون في المنجز العربي وفق أسس علمية وحداثوية يضيف للنّص، ويضع المتلقي في رياض التنوير الفكري.

وأضاف: التذوق الشخصي واحدٌ من معايير دراسة النّص الأدبي، وليس المعيار الوحيد، وقد تطورت وتغيرت مفاهيم المعايير النقدية عبر العصور الأدبية، منذ زمن (الجاحظ، حازم القرطاجني، ابن قتيبة، ابن طباطبا العلوي، والجرجاني، والثعالبي،..) فمرةً تهتم المعايير بالشكل الفني، ومرةً بالمعاني، وهكذا منْ ينظر الى موسيقى النّص والبحور والأوزان ثم البحث في تداخل البلاغة مع النقد، في استخدام الاستعارة والكناية والتشبيه، وفي استخدام المحسّنات البديعية المتنوعة.

أمّا اليوم وقد اختلف النتاج الأدبي بتطور الحياة الأدبية والثقافية، فمع كل تطوّر في المنتج لا بدّ أن يقابله في الجانب الآخر تطوّر في المقاييس المستخدمة للمعيار النقدي الذي يواكب عصر النّص.

واليوم لا بدّ للناقد العربي أن يمتلكَ أدواته النقدية لقراءة النّص الحديث، ومن أدواته، التجربة، وثقافة الناقد، الاطلاع على الأساليب والنظريات النقدية، ويقف الجانب المعرفي والفني، والإحساس في بناء اللفظة وموسيقاها، وكذلك الدلالات الفنية والفكرية لكل إشارة في النّص، بل أن الناقد، عليه أن يمتلك مفاتيح النّص بكل تفاصيله ودلالاته التاريخية والاجتماعية، كل هذا يجعل للنّص قراءة جديدة ويجعلها بيد المتلقي وفق نسق ومفهوم حاضر ضمن الهوية والتناسق الفكري. آخذين بنظر الاعتبار الاختلاف الكبير بل والإشكالية في تسميات الأجناس الأدبية في عصرنا الحاضر.

وعن المعوقات التي تقف في طريق بناء نظرية نقدية عربية قال د.وليد جاسم الزبيدي: البناء العربي بكل أشكاله، يعاني من مشكلة رئيسة وهي الازدواجية في التفكير والتعامل، وأعني أن مفكرينا ومثقفينا وأدباءنا والمنتج للنص بكل أجناسه وفنونه، نعاني من هذه الازدواجية، وتبدأ باستخدامنا للغة العربية الفصحى في الكتابة، ونفكر بلغةٍ أخرى مختلفة، ونتعامل باليومي بلهجات متباينة تكون احيانا بعيدة عن لغتنا الأم، كما أن مقاييسنا لم تكن واحدة بل اختلفت وتعدّدت كما تعدّدتْ مدارسنا النحوية، ومدارس التفسير، وغيرها.. وكذلك نتعامل مع الآخر (الغرب) بأسلوب يختلف عمّا نكون عليه مع المنجز العربي، بل وحتى حينما نقوم بنقل أو ترجمة أو تعريب بعض المصطلحات أو النظريات أو المنهجيات، فأننا ننقلها أمّا نقلاً حرفياً لا يوجد له قريناً في لغتنا أو أدبنا، أو يُنقل خطأ فنشوّه صورة النّص الأصل. وللأسف تقاعس العربي عن ابتداع ما هو جديد، لأنهُ اكتفى بنقل ما متوافر في الساحة الغربية، ونتشدق بالألفاظ والمصطلحات التي نفتخر بأننا نعلمها ونعلّمها.

ومع هذا الكم من التشاؤم بالمقابل هناك فعاليات ونشاطات يقوم بها البعض كي نرتقي بالنقد العربي بوجود أساتذة أجلاّء ينحتون ليومٍ قادم ان شاء الله.

ونعرف بطبيعة الحال أنه لا نقد بدون نصّ، وأن أي نقد يولدُ خارج رحم النّص، يكونُ ميّتاً منذ (ولادته)، ولا تولد النظريات ولا المفاهيم ولا المناهج دون النّص. يظل النّص هو محور كل العلوم الأخرى سواء (التفسير، الحديث، النحو، التاريخ، الرواية، النقد…). وهكذا تعلّمنا كلما يتطور النّص تتطور الأدوات المصاحبة والمتاخمة له في فنون البلاغة والصرف، والنحو، والمنهج والجمال.

غير أن نقدنا العربي، بكل صراحة وجرأة، لا يزال متخلفاً، عمّا موجود من نوعٍ وكمٍ في النتاج الأدبي العربي، فالنتاج النقدي اليوم في المكتبة العربية لا يرقى من ناحية العدد والنوعية للنتاج الأدبي الذي أغرق الشارع والمكتبات.

ـوحول ما نطالعه في الصحف والمجلات وما يمكن أن نسميه بقشور النقد، وهوامشه، ومقدماته، أما النقد النقد فلا نجد له أثرا، قال د. وليد جاسم الزبيدي: لستُ معك – صديقي- في هذا الجانب، فليست كل الصحف والمجلات هي ثقافية ورصينة، هناك منْ يعتمد السائد والمبتذل، لكن هناك مجلات ودوريات علمية رصينة ومحكمة في عالمنا العربي تشهد لها المؤسسات الأكاديمية العلمية تنشر العديد من البحوث والدراسات التي تهتم بالنقد العربي الرصين، وأنا متفائل بأن نقدنا العربي سيأخذ دوره مستقبلاً بعيداً عن المحسوبيات ووعّاظ السلاطين.

ويوضح الزبيدي أن لكل كاتب، مهما كانت جهتهُ وتوجههُ، فلسفتهُ، ومنهجهُ وطقوسهُ الخاصة به، وهي التي تشكل وتمثل شخصيته وهويته، قراءتي للنّص، قراءة منْ يريد الاستمتاع بسحر المفردة وفرادة المعنى، وجدّة الموضوع، وسحر محيط النّص، والنّص الجيّد هو منْ يُشغلك عن محيطك ويدعك لا تتركه، بل تظل لأن ترى أين ينتهي؟ وكيف؟ وأن ترى وتسمع لغتهُ، وأسلوبه، وأضعُ خريطةً للنّص، كيف بدأ، وعناصرهُ، وأدوات المنتج، وعليّ أن أبحث في صور النّص، ودلالاته ومدلولاته ورموزه. النّص الجيد والجميل ذلك الذي يجعلك تبحث وتستكشف في مصادره لفك طلاسمه.

وعن تخصيص كتاب نقدي لقراءة نصوص الكاتبة العراقية وفاء عبدالرزاق؛ قال: الكاتبة وفاء عبدالرزاق، كاتبةٌ متميزة، حيث أنها بدأت شاعرةً شعبيةً، ثم انتقلت لكتابة الشعر بالفصحى، وهكذا عرفتها شاعرةً، لكنّي، وبعد فترةٍ وجدتها تكتب الرواية والقصة، والكاتبات في هذا النوع (خصوصاً الرواية) قلةٌ في عالمنا العربي، ثمّ أن المشهد الثقافي يسلّطُ الضوء على الرجال أكثر حسب واقعنا المجتمعي الذكوري، قرأتُ ودرستُ ونقّبتُ في كل رواياتها وقصصها، وجدتُ أنها تجاوزت الكثير من الكتّاب، والكاتبات، بطريقة السّرد، والتقنات والأدوات التي تستخدمها، لذلك أفردتُ لها كتاباً كاملاً ليكون نظرةً نقديةً للرواية بصورتها الجديدة، وأن أعطي إشارة للمهتمين بالرواية أن يقرأوا هذا النوع من الكتابات. وأرى أن الكاتبة وفاء عبدالرزاق كاتبة متميزة وسوف يكون لها شأن في السرد العربي، لما تمتاز بها كتابتها من حداثة وأسلوب يختلف عن الآخرين والأخريات.

نعود إلى شعر ضيفنا د. وليد جاسم الزبيدي وهو يقول عن قصائده: القصيدةُ هي التي تكتبني، هي التي تعيشني، وتتحرك وتنمو، تأكل وتشربُ وتفكرُ معي، وما عليّ إلا أن تمسك أناملي القلم الرصاص لأكتبَ وأملي الورق. فربما أكتبها ليلاً أو نهاراً، فليس لها زمن محدّد، وليس لها مكان محدّد. أمّا العالم فيتشكّلُ بصورةٍ جديدة في القصيدة، فالقصيدة هي التي تخلق العوالم وتكوّن الزمان وتخطط المكان. وليس بيد الشاعر شكل النّص أيضاً، فالشكلُ يتشكلُ مع ولادة القصيدة كأن يكون (عمودياً، تفعيلة، نثر).

وعن القصيدة العراقية في عصر الجواهري وبدر شاكر السياب والبياتي ونازك الملائكة قال: الشعراء الذين ذكرتهم هم عمالقة الشعر العربي، وهم مدارس في الأدب العربي، فما فعلهُ وتركهُ الجواهري كبير، مثلما فعلهُ المتنبي والبحتري في عصرهما. لقد ظلّ طوال قرن كامل (القرن العشرين) هو الصادحُ في فضاء الشعر العمودي. أمّا بدر شاكر السيّاب ونازك الملائكة فهما رائدا الشعر الحر وكوّنا مدرسةً خاصةً للشعر العربي الحديث، ولم يضيفا للشعر العراقي فحسب بل للشعر العربي عموماً. لكن لكل زمانٍ رجاله، والعراق ولاّدٌ بالشعر والشعراء، لم يتوقف عند جيلٍ محدّد أو أسماء معينين، بل اليوم في العراق جيلٌ يأخذ بالشعر العراقي نحو آفاق حداثوية جميلة، ولا يخلو يوم في العراق دون ولادة شاعر، ودون ولادة دواوين شعرية في مطابع العراق ومطابع العالم.

وعن قضية الغموض في الشعر وقضية قصيدة النثر والحداثة، يرى الزببدي أن الغموضُ لوحده ليس ميزةً حسنةً في أي فن من فنون الكتابة، كما أن ليست كل الكتابات الموجودة في وسائل التواصل الاجتماعي أو في صحف أو إصدارات كلها تندرج ضمن عنوان قصيدة (النثر)، فهناك (كتابات) لا تمتّ للأدب العربي بصلة ولا تنتمي لأي جنس من الأجناس الأدبية. ووسط هذا الكم الهائل من الخطابات والخواطر المنفلتة حيث لا ضوابط ولا أسس في فن الكتابة بل تجدها مليئة حتى بالأخطاء الإملائية واللغوية والنحوية. لكن بالمقابل تجدُ نصوصاً راقيةً من نصوص النثر العربي الجميل والواعي والمحكم.

أما الحداثة فمازلنا نرى في أساليبها التي يدّعيها البعض تسيرُ في طريق التقليد الأعمى غير المدروس، والذي لم يتم تناولها عن وعي (لدى البعض) أو على الأقل المتداول حالياً في وسائل التواصل الاجتماعي.

توجد هناك محاولات جادة وحقيقية لدى البعض ممن يستخدم التجديد بمفاهيم تطور من أدواتنا ولها الصلة بإرثنا العربي في مفاهيم التجدد والحداثة، فالأدب العربي منذ عصوره الأولى في حالة تحديث وتطوير وتثوير نابع عن أصالة فنوننا وعلومنا. أمّا أساليب التشفير والتعمية والغموض لذاته فهي أساليب عيال على أدبنا وتاريخه.

وقال عن اللغةُ إنها ركنٌ أساس في بنية النّص الأدبي كيفما كان جنسه ولونه، وقد انتبه لهذه الظاهرة اللغوية منذ عصر (أبو تمام)، و(المتنبي)، ومن ثمّ (محمود سامي البارودي)، (فالجواهري)، وخروج اللفظ عن معناه الشائع الى معنىً آخر، وكذلك إعمال النحت، والأساليب البلاغية المختلفة في اللغة كي يتمظهر النّص بأسس وبنى جديدة ولها معنى آخر منه المفتوح والمغلق؛ والابتعاد عن التكرار وتنمية روح الموسيقى في روح النّص، وجعل المتلقي يفكّرُ في ماهية الموضوع، والاشكاليات التي يثيرها المنتج، فالتطور اللغوي يحرّكُ النّص نحو أسس جديدة وإعطاء النّص هويته.

أخيرا يرى د. وليد جاسم الزبيدي أن المستقبل زاخر بالنجاح والعالمية للنّص والنتاج العربي، أمّا الزبد فيذهب جفاءً، وستذهب وتنتهي الأسماء والنتاجات التي لم تمثل أدبنا العربي.

 

(ميدل ايست أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى