مجموعة من الشخصيات النسوية تروي حكاياتها على ورق من زجاج

ما هو شعور المرء لو كانت جمجمته من زجاج، وأفكاره مكتوبة على صفحة ذاك الزجاج؟ ماذا لو كان قفصه الصدري من زجاج، وكانت نبضات قلبه مكتوبة على صفحة الزجاج؟ هذا ما فعلته الكاتبة هديل الرحامنة في مجموعتها القصصية الأولى “حكايا على ورق من زجاج” الصادرة مؤخرا عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان.

مجموعة من الشخصيات النسوية تروي حكاياتها، فتكتبها القاصة على ورقها الشفاف، لترينا ما خُفي من الحكاية، ولتقول لشخصياتها: لا تخفين حكاياتكن، فالحياة لا تحتمل الاختباء وراء حجب.

تتمحور موضوعات القصص حول ثلاثية: المدينة، والفصول، والجسد، التي تصنع الذاكرة، وتختلق الواقع، وتشكِّل الروح لتصير الحكاية كاملة، الثلاثية التي لا يمكن إقصاء أي من مكوناتها عن وجودنا واستمرارنا، كما تقول الكاتبة.

الحكايات التي تقدمها الكاتبة ليست ثرثرة امرأة، بل هي قصص فنية مكتملة العناصر، هي حكايات تستهدف القارئ المتغيّر بفعل الزمن والواقع، واختلاف الحاجات. تحاول الكاتبة الاقتراب من ذلك القارئ وردم الفجوة ما بينها وبينه، وهي تقدم ما يحتاجه القارئ من مشاعر مفقودة لإثارة الإحساس بالحب والحياة، “ضمن معالجة واقعية بعيدة عن مفهوم المِسطرة، ومتجردة من الحواف الخشنة”.

تتكون المجموعة من تسعة عشر نصا، هي: لوحة ناقصة، والشريرة، والغداء، وأحمر الشفاه، والخيانة، والرغبة، والشارع، والصراخ، والكابوس، والنوافذ المفتوحة، وتفاصيل الصّباح، والمكان، والحقيبة، وحالة باردة، وحنكة الضباب، وفرصة أخيرة، وقصُّ المعدة، وكانون يا حبيبتي يشبهنا، والحديقة.

إنها قصص رومانسية جميلة، أحداثها قائمة على الصدفة، لكنها تكشف طبيعة النفس البشرية وتحللها. اللغة شاعرية، مشبعة بالصور، والوصف يقدم صورة واضحة بكل تفاصيلها، تحس بها وكأنها تتنفس. الكاتبة في المجموعة تحلل وتعلق أحيانا على الأحداث، لكن لا يبدو خارجا عن سياق السرد، بل معززاً له.

الكاتبة تكتب الفصول جميعها، فكل قصة تدور أحداثها في فصل وشهر معينين. القصص تتمحور معظمها حول المرأة وعلاقتها بالرجل. الصراع بين الحب والحرية، بين الارتباط الزوجي والانفصال، بين قدسية الزواج وقدسية الحرية، والكرامة الشخصية، تجيد الكاتبة الدخول في عالم المرأة وفي حالاتها المتعددة، محلِّلة حالتها على أساس علمي واقعي، وبأسلوب أدبي راق.

كتبت في قصة “لوحة ناقصة”: “والرجل يُطالبكِ بالتمرد حتى تمنحيه الحرية التي حُرِمَ منها في كل الأشـياء: الحب، الوطن، الجسد، الأهل، والحياة. يُعلمكِ أن تكوني مُتمرِّدة من أجل حريته هو، ليحصل عليكِ دون مقابل يُذكر، معفى من كل شـيء، يتنازل عن منصبه. في الحب لا يعود مسؤولًا، وفي السـرير لا يكون سـيداً. الحب مُتعة شاقَّة لا يتمكن منها، لا تقدر على الحضور في هذا الوقت”.

وكتبت أيضاً: “المرأة في الأربعين منجم فخم لقِصص الهوى، إنها مرتع خصبٌ للحب حيث تحصل على جسدك كاملًا، لا تستثني منه أي ضلع. ومُكِب مُمتع لقصص الرَّجل العِشقية حيث يكون فيها حرًّا ومختلفًا وطليقاً، يُمارسُ دوره الذي يحبه في كل مكان. لا يمكن أن يشعر بالحُرية إلا بامرأة جميلة في هذا العُمر، فقد تنازل عن بطولته هو، لا يريد الجسد بل ممارسته، حيث تصـير المرأة سـيدة السـرير تُطالب بحقها منه، لا تراوغه لتُرضـيه بل لترضـى هي، وهذا يُحرره من سـيادته فلا يعود لجسده بل لشهيته، والعاطفة شهية، فكلاهما يبدأ بالتنازل والعد”.

تقول الكاتبة سميحة المصري عن قصص الرحامنة: “الكتابة لدى هديل تسيرُ كيفما يتفق الشعور ويجئ الحدث، ليصير الحكي مهماً لإظهار الجانب الداخلي من الروح. شخصيات الحكايات مأزومة ومتوترة نتيجة للزمن الضاج بأهله، الصاخب بدمه وغليان المحبة في الدم المراق عبثا، كما أن القصص لا تخلو من ترابط سببي بين المكتوب والأحداث، فلا يقعُ حدثٌ ولا حديث إلا بسبب من الآخر .

اللحظات السردية وسلاستها مدهشة، وكذلك الوصف المتقن للأحداث، والقدرة الحلوة على رصدِ التفاصيل الدقيقة والتفاسير الواقعية للحظات الكشف والتي سماها الكاتب الايرلندي جيمس جويس (الإشراقات)”.

(ميدل ايست أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى