أطفال يسابقون الزمن لإنجاز لوحاتهم قبل انطفاء البصر

جمال عياد

تنطلق بين الحين والآخر مبادرات طوعية للتخفيف على الفئات التي تعاني إعاقة أو مشكلة ما، لكنّ قلةً منها تستمرّ وتكبر ويتسع نطاقها لتصبح مشاريع مؤسسية.
ومن المبادرات الأردنية التي يمكن إدراجها في هذا المضمار، مبادرة الفنان سهيل بقاعين لفتح مرسم لتعليم المكفوفين الرسم، ضمن فضاءات الأكاديمية الملَكية للمكفوفين.
وتتوجّه هذه المبادرة إلى المكفوفين، وبخاصة الأطفال، وهم نوعان: المكفوفون منذ الولادة، والمصابون بالعمى الجزئي أو الضعف الحاد في النظر، أو الذين لديهم أمراض الضغط في العين.
وتعتمد فكرة تعليم المكفوف على استخدام ألوان لكلٍّ منها رائحة محددة تساعده في التعرف إلى اللون، قبل أن يصوغ أشكاله التعبيرية على سطح اللوحة. فرائحة النعناع مثلاً تدل على اللون الأخضر، والليمون على الأصفر.
واستخدام الرائحة للاستدلال على اللون يساعد الطفل المكفوف الأصمّ عموماً، أما المكفوف الذي تكون حاسة السمع لديه جيدة، فيمكنه وضع جهاز بحجم كفّ اليد على قلم التلوين، فيذكر الجهاز آلياً وبصورة مباشرة اسم اللون.
«الحياة» زارت معرض الرسوم الذي يمثل نتاجَ ورشات نُظمت أخيراً لطلبة الأكاديمية، والتقت قاعين الذي تحدث عن الدافع إلى تأسيس مبادرته قائلاً: «انطلقت الفكرة بعد رحيل أفراد أعزاء من عائلتي، ما دفعني إلى توجيه اهتمامي إلى هذه الفئة، فهناك ألم عميق يصيب كل من يفقد عضواً أو جزءاً من جسده، أو يُحرم من التمتع بإحدى حواسّه، فضلاً عن أن أيٍّ منا معرَّض في أيّ لحظة لأن يصاب بهذا».
وأوضح أن فكرته لتعليم المكفوف الرسم تلتقي مع ما قاله بابلو بيكاسو عن أن الرسم هو مهنته، فهو يرسم لا ما يراه بل ما يشعر به.
وكشف بقاعين أنه يشتغل على التأسيس لأسلوب إبداعي يخص المكفوفين، يعدّه نوعاً جديداً في المدارس التشكيلية، ويطلق عليه «أسلوب المكفوفين». وأضاف أنه يحاول إيصال إبداعات المكفوفين إلى مناطق العالم المختلفة، إذ أقيم معرض في الجامعة الأميركية للثقافة والعلوم ببيروت عام 2015، ومعرض آخر في مدينة كان الفرنسية عام 2016، كما ستُعرض أعمالهم في كوبا خلال تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، بالتعاون مع المنظمة العالمية لأندية الطيران WACA.
«الحياة» التقت عدداً من المكفوفين، منهم عمر ماهر، وهو طالب في الصف التاسع يندرج ضمن فئة «المكفوف الكلي»، إذ يرسم وفق تقنية التخيل، فعندما رسم حصاناً أمسك مجسَّماً له، وبعدما تحسّسه رسمه وفق ما تخيله، واختار اللون بعدما شمّه.
وينفي ماهر أن يكون أحدٌ قد علمه الرسم، مضيفاً أنه الآن مستبعَد، لا أحد يدعوه كالسابق إلى المرسم، معبّراً عن انزعاجه مما سمعه بأن هناك لوحات لمكفوفين بيعت.
لكن بقاعين نفى ما طرحه ماهر، موضحاً أن عدم دعوته إلى المرسم في الآونة الأخيرة يعود إلى انشغاله في الورش، والدليل على ذلك «دعوته إلى المرسم ليظهر في لقاء صحافي».
كما التقت «الحياة» الطفلة أسيل، المصابة بمرض ارتفاع الضغط الحاد في العينين، والتي أنجزت ثلاثين لوحة حتى الآن. ابنةُ الصف الأول الابتدائي هذه، تسابق الزمن لإنجاز معرض لرسومها خشية أن تفقد بصرها قبل ذلك. قالت ذلك وهي ترسم اسكتشاً لقطّة، وكانت تبعد إحدى عينيها التي ترى فيها ليس أبعد من 10 سنتيمترات عن سطح اللوحة، ولم تخلُ خطوطها من جمال عفوي وطفولة.
قال بقاعين عن أسيل: «أعمل مع أطفال يعيشون في فضاء مظلم، أريد أن أسلط الضوء على إبداعهم ما استطعت، لهذا سأحرص على إقامة معرض لها من واقع اللوحات التي رسمتها».
والتقت «الحياة» الأخوين عُمَر ومحمد أحمد قوقزة. يقول عُمَر ابن السادسة عشرة الذي يرى بعينه اليمنى، ويعاني من ارتفاع الضغط الذي يسبب له آلاماً مبرحة وخصوصاً في الصيف: «أعبّر بالرسم عن أشياء بداخلي لا أستطيع أن أجهر بها». ويوضح أن أفضل لوحاته هي التي تحوي الطبيعة، وبخاصة مشهد البحر والقوارب فوقه وأناس على شاطئه.
أما شقيقه محمد (15 سنة)، فيعاني ضعف البصر والماء الأزرق في العين. يقول عن تجربته في الرسم: «أستطيع أن أرسم ما يجول في خيالي، وأُخرجه للناس حتى يعرفوا ما في داخلي، ولكن في بعض الأحيان لا أسيطر على قلمي للرسم بدقة». أما أمنيته فهي «أن أنهي تعليمي، ثم أسافر حول العالم لأطّلع على الثقافات والحضارات المختلفة».
يُذكر أن الأكاديمة أنشئت عام 2011 بالتعاون بين الديوان الملكي الهاشمي والمجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعاقين، ووزارة التربية والتعليم، وبرامج الخدمات الاجتماعية والنفسية والخدمات للعلاج الوظيفي المتخصص.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى