صاحب أغنية ‘يا مال الشام’ يرحل في صمت

نضال قوشحة

في أحد مكاتب إذاعة دمشق، المكان الذي أحبه وعمل فيه ما يزيد عن الخمسين عاما، التقت “العرب” أياما قبل رحيل الفنان السوري سهيل عرفة الذي غيّبه الموت الخميس 25 مايو الجاري عن سن ناهز الـ82 عاما (1935-2017)، فتحدّث عن الطفولة والشباب والبدايات، وكأنه يأبى أن يرحل دون أن يخلّد للأجيال القادمة مسيرة فن ووطن.

وقال سهيل عرفة مستعيدا ذكريات النشأة “لم يكن والدي يسمح لنا إلا بمتابعة نشرات الأخبار والقرآن الكريم والتواشيح الدينية، كنت أعشق الذهاب معه في أيام الجمع للجامع الأموي، لكي أستمع للتواشيح الدينية التي كانت تؤدى هناك، فكان هذا الجو الصوفي أول بوابة لي للموسيقى والغناء”.

وعن كيفية دخوله المجال الفني أجاب عرفة “بعد أن منعني أهلي من العمل في الموسيقى، تنقلت بين عدد من المهن، وأخيرا وضعوني في محل لتصليح الراديو في سوق السنجقدار”.

وفي المحل كان الراحل يسمع الأغاني التي كانت تبث من بعض محلات السوق لكبار المطربين العرب، خاصة فريد الأطرش ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم، وقال الراحل “من خلال وجود مجلة ‘الدنيا’ للصحافي عبدالغني العطري بسوق السنجقدار التي كانت تأتي إليها كبرى قامات البلد الفنية والأدبية، مثل عدنان قريش ونزار قباني ومحمد عبدالكريم وأمير البزق ورفيق شكري ونجيب السراج تعرفت على الأستاذ قريش وأسمعته شيئا من غنائي وألحاني، وهو من نصحني لاحقا بالتفرغ للتلحين، كوني أمتلك هذه الملكة، ثم عن طريق الشاعر عمر الحلبي دخلت الإذاعة السورية، وهناك فتحت لي أبواب المجد”.

وفي الإذاعة السورية تعرف على الكثير من الفنانين العرب، وكان أول عمل له مع الراحل فهد بلان، في أغنية “يا بطل الأحرار”، ثم تتالت الأعمال مع سوريين وعرب كنجاح سلام ودلال الشمالي وصباح ووديع الصافي وصباح فخري وغيرهم.

وقدم سهيل عرفة أعمالا في السينما، وكذلك التلفزيون، ففي السينما قدم موسيقى 46 فيلما بين الروائي والوثائقي، لعل أهمها فيلم “الفهد” للمخرج نبيل المالح، والذي أنتج في بداية سبعينات القرن الماضي، ومن إنتاج مؤسسة السينما السورية، والذي يعتبر إحدى التحف السينمائية السورية الخالدة.

كذلك قدم مع المخرج فيصل الياسري بعد نكسة يونيو 1967 فيلم “نحن بخير طمنونا عنكم” المأخوذ عن قصيدة لمحمود درويش، كما قدم في التلفزيون العشرات من شارات المسلسلات والموسيقى التصويرية.

وتحدث سهيل عرفة في حواره مع “العرب” عن ضرورة الأغنية السياسية، وعن ضرورة مخاطبتها لكل شرائح الناس، فقال “السياسة تخص كل الوطن، بما يحتويه من مستويات عديدة من الناس، لذلك يجب أن يكون العمل الفني صادقا وبسيطا، أذكر أننا أثناء حرب أكتوبر عام 1973، كنا في الإذاعة، وكنا نحضر أعمالا عن الحرب وتحفيز الناس على المقاومة، دخل المرحوم شاكر بريخان لفرقة الكورال وطلب من أعضاء الفرقة ترديد جملة واحدة: الله أكبر، ثم طلب من الأستاذ صباح فخري أن يرفع صوته بالأذان، على هذه الخلفية، وبثت المادة فورا، وكان تلقيها عند الناس هائلا”.

وأضاف عرفة “الاستنفار نفسه حصل في مصر أثناء العدوان الثلاثي عليها، حيث كان الفنانون المصريون مستنفرين في الإذاعة، فلحن محمود الشريف لحنه الشهير “الله أكبر فوق كيد المعتدي”، وكانت الأغنية للمطرب كارم محمود الذي لم يستطع الوصول إلى الأستوديو بسبب الحرب، فما كان من الشريف إلا أن سجلها مع الكورال، وكانت النتيجة مدوية، وهي حتى الآن من الأناشيد الوطنية الحماسية الهامة في مصر”.
عمل عرفة مع قامات فنية عربية كبيرة، حدثنا عن ذلك بقوله “تشرفت بالعمل مع العديد من الفنانين العرب، في إذاعة دمشق لم نكن نميز بين سوري وعربي، كنا نصنع أعمالا معا من شعر وتلحين وغناء ونهدي أعمالنا لبعضنا البعض، كما حصل مع الأستاذ وديع الصافي الذي سمع مني أغنية ‘يا دنيا’، وكنت أعدها أساسا للمطرب العراقي سعدون جابر، لكنه أحبها كثيرا وغناها بشكل صادق تماما، وصارت ملحمة فنية تهم كل إنسان عربي يفقد حبيبا أو قريبا، كذلك تعاملت مع المطرب المصري الكبير محمد عبدالمطلب ونجاح سلام وصباح وسميرة بن سعيد وطروب وسميرة توفيق ومروان محفوظ وسمير يزبك وغيرهم”.

وعن أغنيته الشهيرة “عالبساطة” التي غنتها المطربة صباح في أحد أفلامها، قال “تعرفت على صباح من خلال أعمالها في سوريا وكذلك الإذاعات العربية، كانت فنانة جميلة يحبها كل من يراها، وتم اللقاء بيننا وتم الاتفاق على أن أحضر لها أعمالا، فجهزت البعض وذهبت للموعد في بيتها، وعندما دخلت وجدت أكثر من عشرين فنانا هناك في سهرة منزلية، حزنت لأنني لن أتمكن من إسماعها ألحاني الجديدة، ولكنني فوجئت بأنها وبكل لباقة واحترام تعتذر للزملاء، ثم تتقدم مني لنجلس في مكان بعيد عنهم ونبدأ حديثنا عن أعمالنا القادمة”.

وطلبت منه “الشحرورة” أن يقدم لها أغنية “عالبساطة” لتقديمها في فيلم من بطولتها مع فريد شوقي، ولكن الأغنية لم تعجب فريد شوقي، فقام عرفة بتسجيلها في غيابه، وعندما قدم الفيلم بدمشق وبيروت ولاقى النجاح الكبير، اتصل به فريد شوقي من القاهرة ليقدم له التهاني على الأغنية الجميلة والبسيطة التي لحنها.

وأضاف سهيل عرفة عن تعامله مع الكبار بقوله “عندما جاءت شادية لتمثيل فيلم ‘خياط للسيدات’ مع دريد ونهاد حضرت لها أغنية شامية ‘يا طيرة طيري’ التي وضعها أساسا المؤسس أبوخليل القباني، تخوف البعض من أنها سترفض ذلك بسبب عدم إتقانها اللهجة، لكنني كنت مصرا على ذلك، وفعلا جاءت ولم ترفض، بل على العكس قدمت كل التعاون وأدت الأغنية بكل جمال، كانوا كبارا بفنهم وصدقهم”.

سهيل عرفة كان له رأي في التعامل مع التراث الموسيقي والغنائي العربي، حيث كان يؤيد التعامل مع التراث تجديدا مع الاحتفاظ بنسخ منه على حالته الأصلية تماما لمن يريده بتلك الحالة وليكون مرجعية موحدة للجميع.

والراحل صاحب تجربة شهيرة يعرفها كل سوري وعربي، من خلال الأغنية الشامية الشهيرة “يا مال الشام” التي وضعها منذ ما يزيد عن المئة عام أبوخليل القباني، لكن سهيل عرفة وبالتعاون مع الشاعر عمر الحلبي طوراها، بحيث أضيفت إليها مقاطع جديدة وبلحن متوالد من روح العمل، فصارت على الشكل الحالي الذي غناه بحرفية نادرة المطرب صباح فخري، وباتت أشهر أغنية سورية على الإطلاق يعرفها كل سوري وعربي.

ولم تغب مساهمات الفنان الراحل عن الأطفال، فقدم لحنا شهيرا “يا أطفال العالم غنوا معنا” الذي قدم باسم سوريا في مهرجان الطفولة في إيطاليا، وفاز بالمرتبة الأولى بمشاركة سبعين بلدا.

وكرم سهيل عرفة في سوريا بمنحه وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة، عام 2007، وكذلك تم تكريمه من جامعة الدول العربية ومنحه لقب موسيقار عام 1999، كما كرم في مصر وليبيا واليمن وغيرها، وقبل رحيله بأيام تم تكريمه مجددا من قبل نقابة الفنانين في سوريا في احتفالية عيد الفنانين.

وإثر نيله وسام الاستحقاق في سوريا أصدرت وزارة الثقافة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، كتابا عن الفنان ومسيرته حمل عنوان “النغم والكلمة، في حياة الموسيقار سهيل عرفة” أعده الكاتب ياسر المالح، وتابعته بعد وفاته أمل خضركي.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى