أفلام عن عوالمنا شرقية المحتوى غربية الهوى

ندى الأزهري

جمعنا شعور بالبهجة. أنا لأن الفيلم انتهى وجارتي السبعينية لأنها أحبته جداً، فقد أعادها لطفولتها في بيئة كاثوليكية مشابهة في تقاليدها تجاه المرأة لما رأته في الفيلم، قالت لي هذا حين سألتها بفضول عن رأيها في ما شهدناه.
«بعمري ومازالني تتخبا باش تتكيف» («في عمري ومازلت أختبئ لأدخن»)، واحد من أربعة أفلام تصدرت شاشات العرض السينمائية في باريس في الفترة الأخيرة، تحديداً الشهرين الأخيرين. كلها تصبّ في بحر واحد، العادات والتقاليد العربية والمسلمة ومجابهة المرأة لها. حسناً، معظمنا يدرك قسوة الأعراف والقوانين على المرأة في العالم العربي والإسلامي. مواضيع مشروعة تماماً. لكن تكرر طرح هذا الخطاب بنمط واحد وبأسلوب متعمد وأحياناً مفتعل بحيث يبدو وكأنها محاولة تجميع لكل المصائب التي تحيط بالمرأة. أمر مثير للضجر وللنفور. كما أن اكتساحه الشاشات على هذا النحو يدعو للتساؤل عن الموضوعية في الاختيار وفي التركيز على عرض ودعم نوعية معينة من الإنتاجات السينمائية في العالم. مخرجة شرقية اعترفت لي من فترة قريبة أنها غيّرت في منحى فيلمها بعد تخلي منتجها المحلي عنها، وركزت على القمع الذي تلاقيه بطلتها من أهلها والمجتمع بسبب حملها غير المشروع، جاء هذا بعد نصيحة من منتجة تقيم في بلد أوروبي، بذلك يسهل الحصول على دعم. إنما ليس علينا الوقوع في فخ «المؤامرة» وتوهّم انطباق الأمر على كل الأفلام، أو أن تلك النوعية هي وحدها التي تتلقى الدعم. ثمة نوعية أخرى تلقى الدعم الفرنسي وتعرض في فرنسا وغيرها، وإن كان في صالات «فن وتجربة» أكثر منها في دور العرض الواسعة الانتشار. وثمة أفلام عربية مغايرة في مواضيعها، إنما لا يمكن الإنكار أنه حين يتعلق الأمر بحقوق المرأة، فالفيلم يسترعي الانتباه أكثر ويلقى هوى في النفوس ورغبة في تأكيد فكرة مسبقة حول كفاح المرأة العربية والمسلمة المهضومة الحقوق في سبيل الانعتاق. في جميع الأحوال لا يجب تخيل الملايين تتجه نحو دار العرض التي تعرض فيلماً كهذا، فعدد المشاهدين لها لا يقارن قياساً بأفلام أخرى فرنسية أو أميركية بالطبع.

إلى الانعتاق
استهل هذه السلسلة فيلم «أعراس» للبلجيكي ستيفان ستريكر الذي لا يزال يعرض منذ ثلاثة أشهر وتلقى علامة جيدة من النقاد الفرنسيين والمشاهدين. الفيلم مركب تركيباً وكأن صاحبه قرر الموضوع «لنحك عن الزواج بالإكراه!»، ثم ركّب كل العناصر التي تبدي فظاعة هذا الزواج في المجتمعات المتخلفة، بأسلوب مفتعل وقدمها في فيلم بعيد عن الإقناع وقريب بإخراجه من الفيلم التلفزيوني. فها هي زاهرة البلجيكية الباكستانية ذات الثماني عشرة سنة والمحبوبة من عائلتها ممزقة بين مطالب والديها وثقل التقاليد، وتطلعاتها نحو الحرية على نمط الحياة الغربية. حين يأتي اليوم الذي تحب فيه شاباً دنيئاً من بلدها استغلها ولم يتقبل حملها منه فإنها تعوّل على مساعدة شقيقها الأكبر. علاقات الحب للفتاة كانت كجرس إنذار لعائلتها، فبدأت بالسعي لتزويجها زواجاً تقليدياً يقترح عليها التعرف من خلال السكايب إلى زوج المستقبل. ينتهي الفيلم نهاية مأسوية لم تأت متناسبة على الإطلاق مع طبيعة الشخصيات وأسلوب عيشها. فهذه العائلة التي لا تفعل شيئاً بعد حمل ابنتها غير الشرعي لدرجة تدهش كل من عاش في هذه الأوساط ويعرف مدى نفورها بل وعدوانيتها تجاه حدث كهذا، تحاول بكل بساطة إيجاد زوج لها! هكذا عائلة، كانت قتلتها من البداية. فكيف تتقبل حملها ولا تتقبل هروبها لرفضها الزواج المدبر؟
أما «بر بحر» أو «سأرقص إذا رغبت» بالترجمة الفرنسية وهو إنتاج فلسطيني- إسرائيلي- فرنسي للمخرجة ميسلون حمود (الحياة 26-5)، فهو للتعبير عن واقع معاش لدى الشباب العربي في وسط إسرائيلي من خلال شابات فلسطينيات يعشقن الاحتفال والسهر ويعشن حياتهن على هواهن بتل أبيب بعيداً من عائلاتهن. أن نقرأ نقداً فرنسياً من نوع أن الفيلم «يعالج مواضيع المجتمع الأكثر حساسية، الجنس والسياسة والدين بصراحة منعشة! وبأن المخرجة لا تحاول الإقناع ولكن فقط صنع فيلم يُفهم بأن هؤلاء الفتيات الفضوليات للمعرفة والتسامح هن «أفضل مستقبل ممكن»!!! أو كما اعتبرته «الباريزيان» بأنه «قصيدة رائعة لتحرير المرأة المسلمة»! وأنه «منذ الافتتاح يطالب بحرية الرأي»، أو كما كتبت «لوفيغارو» في «سأرقص إذا شئت»، تصور ميسلون حمود تحرر ثلاث نساء عربيات في تل أبيب. «صفعة جيدة»… ففي هذا ما يثير العجب. إذ إن المخرجة لم تبدِ من تمرد أولئك الفتيات وتحررهن سوى الاستفراغ من السُكر على قارعة الطريق أو استنشاق الكوكائين أو ممارسة العلاقات الجنسية بشتى أنواعها. هذا هو التمرد الوحيد الذي أعجبها، لا نقاشات، لا محاولات لإثبات الذات في العمل، لا ثورة حقيقية على تقاليد مجحفة في ما يتعلق بأساسيات حياة المرأة في المجتمعات العربية والمسلمة. إذ حتى حين اتخذت بطلتها المحجبة قراراً حكيماً بالانفصال عن خطيبها، لم تتجرأ على البوح بحقيقة السبب لوالدها. فأين الثورة؟ أهي فقط في محاولتها التدخين وشرب الكحول؟ إضافة لهذا فإن بطلات حمود لا يعطين أدنى رغبة بعيش هذه الحرية إذ يبدون تعيسات بائسات على رغم عيشهن كما يحلو لهن، بمعنى أن تلك الحياة التي يعشنها لا تجلب لهن السعادة وليس فيها شيء من البطولة أو من تحقيق الذات (الحياة 26/05). لكن يبدو أنها الطريقة للحاق بالعالم الحديث وفق سنا جمالية التي تلعب دور سلمى المثلية في الفيلم إذ صرحت لبعض الصحافة: «لا أحد يريد التحدث عن المرأة التي تشعر بأنها حرة بما يكفي للسهر كل ليلة، ولكن تجب مناقشة ذلك حتى يمكن للمجتمع العربي اللحاق بالعالم الحديث»!!. لحسن الحظ ثمة من كان محقاً في الصحافة الفرنسية فمجلة «كريتيكا» وصفته بأنه «ينتهي بأن ينحني تحت وقع الخطاب التعليمي المباشر».

نساء في حمّام عربي
صورت أحداث، أو بالأحرى لا أحداث، «في عمري ومازالني تتخبا باش تتكيف» («في عمري ما زلت أختبئ كي أدخن») فترة منتصف التسعينات في حمام جزائري نسائي. الفيلم من إخراج ريحانا وإنتاج جزائري فرنسي يوناني. في عمق الحمام بعيداً من أعين الرجال و «نظراتهم الملتهمة»، ثمة نساء أمهات عاشقات عذارى ومطلقات متعصبات دينياً ومنطلقات متحررات، تتجاور أجسادهن العارية وتتقاطع ضحكاتهن مع بكائهن وصرخاتهن بين غضب وسخرية.
الفيلم مواقف تجري بين هؤلاء النسوة من نوع أن تقف إحداهن لتقول في خطاب ضد التطرف بخطابية ممجوجة: «إسلامكم ليس إسلامنا»! أو تعلن أخرى بفرحة هستيرية حصولها على الطلاق، أو تحكي ثالثة عن ذكرياتها وقد تزوجت وعمرها 11 سنة من كهل تزيد لتروي مغامراتها العاطفية والجنسية مع شقيق زوجها الشاب، أو تحاول متطرفة شابة هداية الفاجرات، أو تسرد أخرى كيف أحرق وجهها بالحمض… ولن ننسى تلك العذراء التي حملت سفاحاً ولجأت إلى الحمام لتنجدها صاحبته (هيام عباس في أداء مخالف للتوقعات) بالطبع يهرع الأخ ليقتلها ويشرب من دمها… وعلى هذا المنوال يسير الفيلم لمدة ساعة ونصف مع كل القصص الممكنة التي تصور بؤس حياة النساء المسلمات في مواقف اتسمت بالخطابية والمبالغة والافتعال. حتى هيام عباس المتزنة في أدوارها، والاتزان هنا بمعنى أنها تعطي كل دور حقه بدقة، فقد أدت الدور بهستيريا من دون أن يستدعي الموقف منها ذلك.

هذا الجسد.. غريب
أما الفيلم الذي سيعرض قريباً بعد عرض أول في معهد العالم العربي فهو «جسد غريب» للتونسية رجاء عماري، وهو عبارة عن مجموعة من المصادفات العجيبة عن سامية المهاجرة غير الشرعية التي تنجو من الغرق، وخلافاً لكل معاناة للمهاجرين غير الشرعيين تساعدها صدف كثيرة على الاستقرار الفوري في فرنسا! الفيلم عن الرغبات الخفية والمتنازعة بين البطلتين (سارة حناشي وهيام عباس) وبين مهاجر شاب، وتتراوح بين حب مثلي وهوى شهواني ورغبة فتاة شابة مسلمة ومتعلقة بالحرية التامة في الانعتاق من كل العوائق.
هناك أيضاً في الفيلم مهاجرون وغارقون في البحار وتطرف إسلامي ومثلية وحرية وكل هذا.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى