فؤاد نعيم: إنها عبثية الحياة التراجي – كوميدية

يعيد فؤاد نعيم تقديم مسرحيته «الملك يموت» في صيغة شبه جديدة بعدما قدمها لليلة واحدة في سياق الاحتفال الذي أقامه مسرح المدينة. وأضاف نعيم لمسات واضحة على العرض مشهدياً وبصرياً واستبدل الممثلة برناديت حديب بالممثلة يارا بو نصار لتؤدي دور الملكة الأولى مارغريت. ومثلت هذه المسرحية عودة نعيم إلى الإخراج المسرحي، شغفه الأول، بعد احترافه الرسم في الأعوام الأخيرة وإقامته معارض شخصية عبّرت عن تجربة عميقة وشخصية في عالم الشكل واللون. واختار أن تكون عودته من خلال نص فريد و «صعب» لأحد رواد المسرح العبثي العالمي أوجين يونيسكو، وهو «الملك يموت» (1962) وعمد الى ترجمته بنفسه.
يقول نعيم رداً على سؤال عن سبب اختياره هذه المسرحية التي باتت تعد من كلاسيكيات المسرح العالمي ومسرح العبث: «اخترت هذه المسرحية لسببين أساسيين، الأول هو أنها تعكس الى حد كبير الوضع القائم في عالمنا العربي بعامة وفي لبنان بخاصة، حيث أن القادة العرب واللبنانيين متمسكون بالسلطة على رغم انهيار بلادهم وهجرة شعوبهم وهروب جيوشهم. أما السبب الثاني فهو شخصي الى حد ما، إذ إن المسرحية تتحدث عن رجل في سنوات عمره الأخيرة وهو ما زال متمسكاً برغباته في أمور الدنيا وشجونها … انها حكاية الإنسان أمام الموت».
أما ترجمة فؤاد نعيم لنص يونيسكو بالعامية فكانت أمينة وحرة في آن واحد، فهو تصرف به وفق رؤيته الإخراجية إليه. واللافت أنه اختار مقاربة القضية التي يعالجها النص وهي سقوط الملك بيرنجيه الأول أو الديكتاتور، في ضوء سقوط الديكتاتورية في العالم العربي وسواه. من هنا يبدو نص يونيسكو راهناً جداً، لا سيما أن نعيم لم يسمّ المملكة التي تنهار ولا الديكتاتور الذي يحتضر أو يموت، حتى العصر جعله غير محدد ولو بدا يميل إلى أن يكون قروسطياً.
يقول نعيم عن مقاربته للجو العبثي الذي تحمله المسرحية: «اعتقد أن هذه المسرحية هي عبثية من حيث عبثية الحياة ولكنها ليست عبثية بالمعنى الأدبي من حيث الكتابة. فلا شيء في اللغة او في الوقائع يشبه مسرحيات يونيسكو الأخرى. ليس هناك من «وحيد قرن» يطل على المسرح ولا من «مغنية صلعاء» حاضرة غائبة. إن عبثية يونيكسو تعكس عبثية الإنسان الذي في النهاية لا يعرف لماذا هو موجود على الأرض ولماذا عليه أن يموت. «لماذا خلقت اذا كان عليّ أن أموت؟» يقول الملك في المسرحية. اما مقاربتي فكانت تراجي- كوميدية. ففي النهاية هو الموقف الوحيد أمام الموت أو أمام ضياع السلطة، فجأة يتبين للملك كم هي ساخرة ومدعاة للضحك هذه الحياة وكذلك هذه السلطة … انه المضحك المبكي. أما ما أضفت اليها بالنسبة الى كل الذين اخرجوها في العالم فلن أسمح لنفسي بأن اعتبر أن ما أضفته هو غير رؤيتي الخاصة النابعة من تجربتي المهنية والحياتية. وأن كان لا يد لي من تحديدها فهي على عكس ما جاء على لسان الكاتب الفرنسي الفريد دو موسيه: «وعندما يكون علينا ان نبكي فإذا بنا نضحك».
في الصيغة التي اختارها عمد فؤاد نعيم الى تعرية المسرح تقريباً من الديكور ليتخلص قدر الإمكان من عبء الطابع التاريخي والمكاني، فحافظ على الكرسي الملكي وعلى ملابس الملك والملكتين مبدئياً وجعل بقية الشخصيات تدور في أفق المملكة المنهارة. وقد سلك إزاء النص الذي يعد الأكثر «كلاسيكية» شكلاً و «إنسانية» والأقل عبثية ومجانية بين أعمال يونيسكو، سلوكاً تراجيكوميدياً، بل هو غذى هذا الاتجاه ليخلص إلى صيغة خاصة، فيها من التراجيديا التي أرادها يونيسكو (الشخصيات، المناخ، الصراعات…) ما فيها من الكوميديا الجارحة والعبثية. وعلاوة على اختصاره النص واقتباسه الذكي لحواراته ووقائعه من دون أن يخونه، أضاف إليه بضع لمسات لبنانية ليربطه قليلاً بالواقع اللبناني فأدخل على سبيل المثل، في شكل عابر، مسألة النفايات (الزبالة) التي يعاني منها اللبنانيون وبعض التعابير الساخرة (مثل بوظة على حمص)…
عن الإضافات التي تحملها الصيغة الجديدة يقول: «كنت قدمت هذه المسرحية سابقاً في إطار مهرجان مسرح المدينة ولكن عندما قررنا إعادة عرضها اعتذرت الممثلة برناديت حديب لارتباطها بعمل آخر فاخترت الممثلة يارا بو نصار للقيام بدور الملكة الأولى. وما أتت به يارا هذه الممثلة الجميلة والرائعة حملني الى إعادة بناء العمل انسجاماً مع تجاوبها واندماجها الخاص مع النص… وهذا بالنسبة لي شيء طبيعي لأن العمل المسرحي هو عمل جماعي يأخذ من موهبة كل الممثلين والموسيقيين … يأخذ من كل هذه الطاقات ليصهرها في موسيقى جماعية تخدم النص بقدر ما يتماهى معه كل ممثل على حدة وكلهم معا».
وعن اختياره الممثل الشعبي الكوميدي جورج خباز ليؤدي دوراً معقداً ومركباً مثل دور الملك اليونسكوي يقول: «إن هذا الممثل يختزن طاقات إبداعية نادرة وقيماً إنسانية تجعله يستطيع اذا أراد أن يقف على حافة نفسه ويكون في غاية الشفافية … ثم انه يستطيع أن يتنقل بخفة ولياقة بدنية ونفسية من حالة التهريج الى حالة مأسوية. وكلها صفات تخدم هذا الدور التراجيدي الكوميدي بامتياز».
وختاماً ورداً على سؤال عن العلاقة بين الرسام والمسرحي الكائنين في شخص فؤاد نعيم يقول: «الرسم والمسرح عالمان مختلفان تماماً، أحدهما خاص حميم يتطلب الوحدة والثاني جماعي بامتياز. ما يجمع بينهما هو البحث عن واحات للخروج من اليأس المضحك المبكي».

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى