آفاق وأعماق .. تحليق في عشرين رواية مصرية

أيمن رفعت
هذا الكتاب “آفاق وأعماق” للشاعر والكاتب أحمد فضل شبلول، يمثل حلقة من حلقات المتابعة النقدية للإبداع الروائي المعاصر في مصر، من خلال التناول النقدي والتحليلي لعشرين رواية مصرية، معظمها صدر خلال السنوات القليلة الماضية، ومنها ما واكب أحداث ثورة 25 يناير 2011، بينما حلقت بعض الروايات الأخرى في آفاق المرض الجسدي والقلق الروحي.

ويتناول شبلول رواية “يهود الإسكندرية” للكاتب مصطفى نصر، فيؤكد على أنها رواية تغوص في أعماق المجتمع اليهودي الذي عاش مواطنوه في مدينة الإسكندرية، واستطاع المؤلف أن يتتبع جذور هذا المجتمع وتطوره منذ أن أنعم الوالي سعيد على حلاق الصحة جون اليهودي بقطعة أرض كبيرة تصارع عليها يهود الإسكندرية، وقتلوه ليصنعوا من مقامه بعد ذلك مزارا سياحيا عالميا.

أما في رواية “أجنحة الفراشة” للكاتب محمد سلماوي، فنجد في هذه الرواية وتحديدا في الفصل الثلاثين مظاهرات عمّت جميع أنحاء القاهرة، وانتقلت خلال ساعات إلى الإسكندرية، ثم إلى صعيد مصر، وعدد من المحافظات، وانفجر الوضع وبات من الصعوبة إمكانية السيطرة عليه، ولكن حركة الجماهير كانت أقوى من أي قرار. ونجد أيضا في الرواية أن وزير الدفاع يرفض إنزال الجيش، ويلقي كلمة تاريخية يذكر فيها الحكومة بأن الجيش وجُد للدفاع عن أرض الوطن ضد الغزاة والمحتلين، وليس لضرب المصريين أيا كانت انتماءاتهم أو أفعالهم.

وعن رواية “مريم.. أيتها الفلسطينية الضائعة”، فيرى أنها رواية غير تقليدية في تناولها للعلاقة الرمزية بين مصر وفلسطين بعد ثورة 25 يناير، وتضعنا عبارة “يا أيتها الفلسطينية الضائعة” في بداية الرواية لتؤكد على أننا أمام عمل به كثير من الأحداث والوقائع الجريئة وغير المتوقعة. وقد استطاع الروائي السكندري شريف محيي الدين إبراهيم أن يأخذنا في دروب ودهاليز العلاقة بين شخوصها سواء على المستوى النفسي أو الرمزي وأيضا الواقعي.

وتحت عنوان “ماجدة جادو وظلها العاري”، فتكتب ماجدة جادو بضمير المتكلم المذكر أول أعمالها الروائية تحت عنوان “الظل العاري”. والرواية تدخل في عداد روايات السيرة الذاتية، فنرى الكاتبة تتخفى وراء الضمير المذكر، أو أنها تستخدم بطل الرواية أو السارد قناعا لها. ومن هنا يبدأ ارتباكنا في استقبال مثل هذا العمل الروائي الأول للكاتبة السكندرية ماجدة جادو، التي تم اعتقالها في العام 1975 لنضالها السياسي ودعوتها للتحرر الوطني والحرية والعدالة الاجتماعية. ولا تخلو الرواية من هذا النضال السياسي، ولا تخلو من التمظهرات الاجتماعية والثقافية، ومن هذه التمظهرات وصف تصنيع “العسلية”، وهكذا يمضي السارد في وصف تصنيع “العسلية”.

ويواصل المبدعون المصريون كتابة تجاربهم العميقة مع المرض والعمليات الجراحية، فنرى محمد جبريل يكتب آلامه وأوجاعه في روايتيه التسجيليتين “الحياة ثانية” و”مقصدي البوح لا الشكوى”. إنه يؤرخ لهذا الوجع وانتكاسة وآلام باح لنا بها – خاصة في روايته الثانية – بعد إجراء عملية في أسفل الظهر، لم تكلل بالنجاح لأنها كانت تريد إجراء ومتابعة معينة.

أما طلعت شاهين ففي روايته “البرتقالة والعقارب”، يتأمل الموضوع من زواية أخرى حيث الورم المحني الذي كان بحجم البرتقالة، فكان من الضرورة القصوى شق الدماغ لإجراء هذا الورم الخبيث.

الفارق والمفارقة أن محمد جبريل أجرى عملية في مصر، فحدثت الانتكاسة، بينما أجرى طلعت شاهين عمليته في إسبانيا فكتب له الشفاء.

ويؤكد شبلول على أن رواية “ليل لأطراف الدنيا” لأحمد الشريف، هي قطعة من الحياة في تلك المنطقة السكندرية “الدخيلة” كشف السارد فيها ما هو مخفي ومسكوت عنه لدى معظم القراء. إنها رواية “عالم” وليست رواية مكان وناس فحسب، وكما جاء على الغلاف الخلفي “لا أهمية كبرى لحدث أو مكان، بل يتأتى النص ويتخلق عبر قدراته على رسم العالم، هو ليس عالم المهمشين/ وكذلك ليس عالم الراسخين في المكان أو الزمان، لا شيء في هذا العالم يبدو أنه سيستمر على حاله، حيث لا شيء قابل للنمو أو التطور”.

أما عن اللغة فقد لاحظنا أن السرد جاء بالفصحى المبسطة عن طريق ضمير المتكلم، بينما جاء الحوار بالعامية المصرية التي يتخللها بعض النكات مثل قول بائع الحشيش لحندوق: “بقى مش عجبك حشيشي يا بني… أنا اللي محمد عبدالمطلب لما جاء الإسكندرية وسأل عني ومالقنيش، راح طالع المسرح وغنى: بياع الهوى راح فين؟”.

يشار إلى أن كتاب “آفاق وأعماق .. عشرون رواية مصرية” لمؤلفه أحمد فضل شبلول، صدر عن وكالة الصحافة العربية (ناشرون) ويقع في نحو 226 صفحة من القطع الكبير.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى