مفارقات ذكية مضمرة ‘بين سطور المدينة’

يصوغ الكاتب والصحفي الأردني خالد سامح مواضيعه في مجموعته القصصية الجديدة “بين سطور المدينة” بتكثيف عال واختزال احترافي في اللغة والسرد.

والمجموعة الصادرة عن فضاءات للنشر والتوزيع في عمان تقع بمئة صفحة مع لوحة للغلاف من أعمال الفنان التشكيلي العراقي صدام الجميلي.

وتتضمن عشرات القصص من النمط القصير جدا حيث لم يتجاوز بعضها السطر الواحد فهي تقوم على الاختزال والتكثيف والانفتاح على التأويلات مع افساح المجال للقارئ بإعادة بناء الحكاية وتخيلها ذهنيا.

ويأتي في تقديم القاص والناقد الأردني هشام البستاني للمجموعة “خالد سامح، في مجموعته هذه، ومجموعاته التي سبقتها، يعي أن القصّة القصيرة جدًا ليست ضربةً فجائيّة تسبق الهرب، ولا هي تزجيةُ وقتٍ لشخصٍ يلعب بالكلمات على سبيل التّسلية، بل هي الضّربة التي تفتتح النّزال، والجُمَل التي تقود المُتلقّي إلى الزواريب الخلفيّة المُعتمة للفكرة”.

ويواصل “هذا إنجازٌ في عصرٍ أهانت فيه وسائل التّواصل الاجتماعيّ الكتابةَ أيّما إهانة، خصوصًا القصيرة منها؛ فكانت القصّة القصيرة والشِّعر أوّل ضحايا هذا النّزوع نحو الاستسهال والرداءة، بعد أن انضمّ عدد هائل من البشر ‘بغض النّظر عن اطّلاعهم ومعارفهم وقراءاتهم وتمكّنهم اللّغويّ’ إلى صفوف كتّاب هذين النوعين، يقدّمون ‘مساهماتهم’ بسطحيّة وضحالة تُشجّعها محدوديّة المساحة المتاحة للكتابة ‘تويتر’، أو أن التّقليب السّريع لمحتوى هذه المواقع لن يُشجّع على قراءة الموادّ الطّويلة ‘فيسبوك’، أو أن اللّغة هي ديكور مرافق لصورة ‘إنستغرام'”.

ويضيف البستاني “وغالباً ما تُستخدم لغة تعبيريّة ركيكة، تمتلئ بأخطاء إملائيّة ونحويّة فاضحة، فلا هي بالعاميّة، ولا هي بالفصحى، ولا هي خليطٌ مدروسٌ أو فنيٌّ بينهما. وتحصد مثل هذه الكتابات الإعجابات والتفاعل من مُقترفي مثيلاتها، فالرّداءة تجرّ الرّداءة، ويغيب النّقد بشكل شبه كامل، فيتمادى هؤلاء ‘الأدباء’ في هذرهم دون نقد”.

في هذه المجموعة، يوظّف خالد سامح تقنيّتيّ القصّ القصير جدًّا الأساسيّتين بشكلٍ موفّق: المفارقة الذكيّة المُضمرة غير الفجّة (المفارقة الفجّة هي الرّذيلة الرئيسيّة للكتّاب الرديئين للقصّة القصيرة جدًا)، والتأمّل (الأكثر حداثة تقنيًّا، والأكثر تحفيزًا للقارئ على الاضطلاع بدور الشّراكة في النصّ وتشكيله).

وهو إذ يحوّل قصصه -ذات السّطر أو السّطرين- إلى عدسة مكبّرة تتفحّص تشوّهات المدينة، وعسف السُّلطة، وابتذال المثقّفين، وأزمات الوجود، وعبثيّة الموت، إلا أنّه يترك ما يكفي من المساحة ليُكمل القارئ ما بقي من أسطرٍ سَكَت عنها الكاتب بمكرٍ مدروسٍ ومُخاتل، هو ذاته مكر السّرد القصير: “أسمع جرسًا يدقّ خلفي. سأترككم وحدكم الآن لتخوضوا النّزال”.

ومن أجواء المجموعة جاء في قصة بعنوان ” سندريلا الأميرة”:

عندما ثارت الرعية على الأمير هربت سندريلا من القصر، لعنت الساحرة الطيبة، الحذاء الفخم، والعربة المذهبة، ظلت هائمة على وجهها في الطرقات تبحث عن زوجة أب ظالمة، وفراش حقير في أحد مطابخ المدينة.

وفي قصة بعنوان “شهود”:

أمر القاضي بإدخال الشهود؛ فجأةً، غصت قاعة المحكمة برؤوس مقطوعة وجثث مسّجاة بالرماد.

والقاص خالد سامح حاصل على بكالوريوس العلوم السياسية من الجامعة الأردنية وعضو رابطة الكتاب الأردنيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب وكتاب أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وهو صحفي في جريدة الدستور الأردنية منذ العام 2003، وصدر له قبل “بين سطور المدينة” ثلاث مجموعات هي: “نافذة هروب”، “نهايات مقترحة”، “ويبقى سراً”.

(ميدل ايست أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى