إقامة نصب من كتب ممنوعة للتنديد بالرقابة الأدبية

قيم في وسط مدينة كاسيل الريفية الألمانية نصب ضخم شبيه بهياكل أكروبوليس الشهيرة في اثينا لكن أعمدته ليست من الرخام بل من كتب كانت ممنوعة في مكان ما من العالم، في عمل يرمي للتنديد بالرقابة الأدبية.

وتشكل هذه المنشأة الفنية الضخمة المسماة “بارتينون الكتب” المعلم الأبرز ضمن فعاليات ملتقى “دوكومنتا” العريق للفن المعاصر الذي يقام بواقع مرة كل خمس سنوات في كاسيل.

ويراد من هذا العمل اللافت الذي صممته الفنانة التشكيلية الأرجنتينية مارتا مينوخين وأقيم في إحدى الساحات الرئيسية لهذه المدينة الواقعة في وسط المانيا، أن يشكل صرخة ضد الرقابة بكل أشكالها.

كذلك تصف الفنانة البالغة من العمر 744 عاما والتي تعتبر من رموز حركة فن البوب (بوب آرت) في اميركا الجنوبية، هذا العمل بأنه “الأكثر سياسية” من كل نتاجها الفني.

وقبيل افتتاح ملتقى “دوكومنتا”، جهد فريق من المتطوعين على وضع اللمسات الأخيرة على هذا المعبد المؤقت.

وفي فيء شجرة زيتون داخل حوض، تقبع نسخة من رواية “الدائرة الأولى” للكاتب السوفياتي المعارض ألكسندر سولجنيتسين بانتظار وضعها على النصب. وخلال بضع دقائق، يتم نقلها بواسطة الرافعة إلى وجهتها في أعلى أحد الأعمدة الـ46 لهذا المعلم المشكل من شبكة معدنية مرصوفة بالكتب.

وستنضم رواية الكاتب الروسي إلى أعمال أدبية أخرى بينها الكتاب المقدس و”ذي غرايت غاتسبي” ومغامرات توم سويير وشرلوك هولمز، إضافة إلى الكتاب المقدّس.

وتطول قائمة الكتب التي طالها مقص الرقابة في يوم من الأيام.

وكل الكتب موضوعة في جيب من البلاستيك لحمايتها من تقلبات الطقس. ثم يتم تثبيتها على شبكة معدنية تشكل استعادة أمينة لشكل التحفة الهندسية اليونانية المشيدة في القرن الخامس قبل الميلاد.

ويوضح بيار بال بلان وهو أحد مفوضي المعرض أن “العمل له المقاسات عينها لمعلم بارتينون أي أنه بطول 700 مترا وعرض 31 مترا وعلو عشرة أمتار”.

وقد أوضح هذا الفرنسي أن المنشأة الفنية المقامة في ساحة فريدريتشبلاتز في كاسيل “تستعيد موقع” البارتينون على هضبة أكروبوليس في أثينا.

وقد شيد معلم “بارتينون الكتب” في الموقع نفسه الذي شهد سنة 1933 إحراق كتب لروائيين يهود أو ماركسيين خلال حكم النازية.

وليست استعادة “دوكومنتا” للمعالم التاريخية اليونانية وليدة صدفة. فهذا الحدث العالمي الرئيسي على صعيد الفن المعاصر الذي استقطب 905 آلاف زائر في دورته الماضية سنة 2012 انتقل للمرة الأولى في هذه الدورة الرابعة عشرة إلى مدينة أخرى هي أثينا. فمنذ الثامن من نيسان/ابريل، تشهد العاصمة اليونانية سلسلة معارض وحفلات وعروض سينمائية وأنشطة فنية مختلفة متصلة بهذا الحدث.

وقد أعد تسعة عشر طالبا من جامعة كاسل القائمة الدقيقة للكتب المحظورة. وهذا العمل كان مضنيا إذ تم إحصاء 70 ألف كتاب ” الإصلاح البروتستانتي قبل خمسة قرون مرورا بنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا”، على ما يقول مؤرخ الفنون فلوريان غاسنر.

والتأكيد على أن كتابا كان ضحية للرقابة ليس بالمهمة السهلة دائما. “ففي المانيا الشرقية السابقة على سبيل المثال، لم يكن هناك قائمة معدة من السلطات. وما كان يحصل هو أنه عندما كان كاتب يريد طبع عمله كان يجد فجأة أن الورق قد نفد” وفق غاسنر.

وفي المحصلة، رسا الاختيار على 170 كتابا لوضعها ضمن هذا النصب.

وقد أطلقت الفنانة مارتا مينويين نداء لجمع آلاف النسخ خصوصا من كتب “دافينشي كود” و”الأمير الصغير” و”أزهار الشر”. والهدف يكمن في جمع مئة ألف كتاب.

غير أن هذا النصب لا يضم ضمن الكتب المعروضة فيه عمل “ماين كامف” (كفاحي) للزعيم النازي أدولف هتلر إذ إن القائمين على المعرض منعوه كما حظروا معه كل الأعمال التي تحض على الكراهية العرقية.

وقد انطلقت فعاليات “دوكومنتا” السبت وتستمر حتى 17 سبتمبر/ايلول وبعدها ستوزع الكتب المستخدمة في هذا الحدث على العموم وسيفكك نصب “بارتينون الكتب”.

(ميدل ايست أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى