«مفروش» سوق رائج للكتاب المرتجع في وسط الخرطوم

صلاح الدين مصطفى

في شارع جانبي في وسط الخرطوم يوجد باعة الكتب المرتجعة يخلطون المعرفة بتراب الأرض، يوفرون الكتب بأسعار معقولة ويشكلون حلقة للعلم والمعرفة وتبادل الخبرات، بين الأدباء والصحافيين والمعلمين وعامة الناس.
محمد يوسف أبو الزيك،أحد أشهر باعة الكتاب المفروش يعمل طوال الأربع والعشرين ساعة، يبيع يقرأ ويكتب الشعر والقصة والمقال، يقول أبو الزيك: «منذ 37 عاما كنت أحمل حقيبة من حديد، أحمل فيها بعض المجلات والكتب، أشتري الجديد وأبيع ما عندي وأعود للبيت، وفي أحد الأيام لم أجد الرجل الذي أتعامل معه ففرشت ما عندي على الأرض والتف الناس حولي ولم أتوقف عن هذا الفعل حتى هذه اللحظة».
ويقول محمد يوسف إن النشاط تطور بعد ذلك بالقرب من الجامع الكبير في الخرطوم، فتم طردهم، فانتقلوا لمحيط الكنيسة في مدينة بحري فطردتهم السلطات المحلية ويضيف «لو كان لدينا حائط مبكى لفرشنا كتبنا تحته». رواد الكتب المرتجعة من مختلف فئات المجتمع، وتتنوع الكتب المعروضة، بين دواوين الشعر والروايات وكتب النقد والقانون، وبجانب اللغة العربية توجد مطبوعات بلغات أخرى، أبرزها الإنكليزية والفرنسية واليابانية والصينية، ويقول أبو الزيك: «هنالك مغرمون بالكتاب القديم، ونحن نوفره لهم حتى لو لم يكن موجودا لدينا، من خلال الاستعانة بصديق».
ويقيم رواد (مفروش) وهو الاسم الشائع للكتاب المرتجع معارض في أماكن أخرى، منها مقهى اتنيه في وسط الخرطوم وخصص لذلك يوم الثلاثاء من كل أسبوع، لكن هذا المعرض توقف بسبب الفوضى التي خلقها بعض الشباب، كما يقول أبو الزيك.
وتوفرت لهذه الظاهرة فرصة الدخول لمعرض الخرطوم الدولي لعامين، ويطالب العاملون في بيع الكتب المرتجعة بتقييمها وتكرارها وتوسيعها، والاستفادة من التجارب السابقة، كما هو الحال في العديد من الدول.
هذه المهنة غير مجزية اقتصاديا، كما يقول روادها، لكنهم يجدون متعة كبيرة في العمل بها. ويقول محمد يوسف: «نتحصل على الكتب من خلال شرائها، فهنالك من يبيعون مكتبات كاملة بسبب الظروف الاقتصادية، وهنالك من يهدي كتبه محبة وعرفانا، وأحيانا نجدها مهملة ونقوم بإعادة تجليدها وتجهيزها للقراءة». ويضيف قائلا: «استفدنا من الوسائط الحديثة في التواصل مع الزبائن الذين هم في الغالب أصدقاء وكتّاب وصحافيون، فمن خلال «الواتس أب» أو «الفيسبوك»، نعرض ما يصلنا من الكتب القيمة أو النادرة، ويتم العرض في كثير من الأحيان بشكل فردي للشخص حسب اتجاهاته في القراءة».
ويقول محمود بخيت حمدان، وهو بائع كتب قطعت عليه استغراقه في الاطلاع على أحد الكتب، إن القراءة لن تتوقف ولن تنتهي بسبب الوسائط الحديثة، ويشير إلى أن السودانيين لا يزالون شغوفين بالاطلاع واقنتاء الكتاب، ويشير إلى أن بعض القراء يقتنون أكثر من عشرة كتب في الشهر. ويشتكي بخيت مثل غيره من الباعة بعدم تقدير السلطات المحلية لمهنتم، فقد تجولوا كثيرا في أنحاء العاصمة ويضيف: «لأنهم لا يعترفون بنا ونحن نطارد من مكان إلى مكان، كنا نتركز بالقرب من الجامع الكبير في الخرطوم، وعندما أعلنوا مشروع العاصمة الحضارية طردونا من مكاننا، فذهبنا إلى قرب استاد الخرطوم، هاجرت للمملكة العربية السعودية بعد ذلك، وعندما عدت وجدت زملائي في هذا المكان». ويعمل بخيت في بيع شتى أنواع الكتب، ويرى أن كتب اللغات والتنمية البشرية أصبحت رائجة في الآونة الأخيرة، وعن مصدر بضاعتهم يقول: «بسبب التطور الذي حدث في طريقة السكن، يتخلص الكثيرون من الكتاب الورقي، وكثير من الذين يقررون الهجرة يبيعون مكتباتهم، ولدينا حاسة في التقاط الكتاب من أي مكان، وبأسعار زهيدة تمكننا من البيع بسعر معقول». ويقول بخيت إن الكثير من الكتّاب والأدباء مروا من هنا، وبعضهم يجد كتبه على الأرض فيبتسم والبعض يطلب استرجاعها لنفاد الطبعات التي بحوزته، وكثيرون يطلبون كتبا نادرة، ومن الأسماء التي يحفظ وجهها جيدا يوسف فضل، العالم السوداني المعروف في مجال التاريخ، والأمين العام لمشروع سنار عاصمة للثقافة الإسلامية، والمدير السابق لجامعة الخرطوم. وبحكم تواجده مع الكتاب لسنوات طويلة يقول بخيت، إن الكاتب السوداني كسول في مجال التأليف والنشر، ولا يضع خططا لنشر مؤلفاته بخلاف الكاتب المصري، الذي يبذل كل ما في وسعه لإنجاز عناوين جديدة، كما أن الناشر المصري يعيد طباعة مؤلفات قديمة لكتّاب رحلوا، ويجعلها جديدة من خلال الإضافة أو الدمج أو الحذف. ومن باعة الكتاب المفروش الشباب يقول منير محمد توم، إنه دخل هذا المجال قبل عشر سنوات، ويشتكي من الركود الشديد، خاصة في شهر رمضان. ويعترف منير بأن الوسائط الجديدة في توصيل المعرفة، وعلى رأسها الإنترنت، تسببت في عزوف الناس عن الكتاب الورقي رغم سعره البسيط .
فتح الرحمن أحمد موظف في أحد البنوك، شغوف بالحصول على الكتاب المرتجع ويقول إنه يأتي إلى هذا المكان لطلب كتاب محدد ويضيف: «أحيانا أجده ومرات يتم البحث عنه لأجده في مرات مقبلة «. ويشير إلى أنه يطلب دائما كتبا باللغة الإنكليزية ويرى أن الأسعار معقولة جدا.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى