حكايات لا نعرفها عن نساء من الحضارة الإسلامية

محمد الحمامصي

افتتح مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية، معرض “المرأة.. قوة السلطة والإيمان” الذي ينظمه بيت السناري بيت الثقافة والفنون والعلوم التابع لمكتبة الإسكندرية، بالاشتراك مع متحف الفن الإسلامي في ماليزيا واللجنة الوطنية المصرية للمجلس الدولي للمتاحف، وعرض مجموعة من لوحات الفن الإسلامي المرتبطة بتراث المرأة في الحضارة الإسلامية كتاج محل الذي يعد رمزًا دوليًا للحب والوفاء، وتراث السلطانة رضية من الهند، والملكة أروى الصليحية ملكة اليمن والتي كان عصرها عصر ازدهار في اليمن، وشجرة الدر التي ارتبطت بنهاية العصر الأيوبي وبداية العصر المملوكي.

وتتضمن اللوحات صور أزياء الملكات والأميرات والمجوهرات ومهد طفل ولوحات مستشرقين للمرأة المسلمة. ويعد هذا المعرض بداية لسلسلة معارض تبرز الحضارة الإسلامية خاصة المناطق التي لم يتم إبرازها في العقود الأخيرة، وذلك من خلال مركز الحضارة الإسلامية بمكتبة الإسكندرية.

وفي هذا الإطار صدر كتاب “الإيمان والسلطة.. المرأة في الإسلام” تحرير لوسيان دوجير وترجمة كل من خالد عزب وعزة عزت وشيماء السايح ومراجعة وتقديم خالد عزب، والذي ألقى الضوء على أعمال المعرض والشخصيات النسائية التاريخية المرتبطة بها، وسرد لعدد من النساء اللاتي كانت لهن أدوار رئيسية في تاريخ الإسلام، ومنهن آسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، والسيدة خديجة بنت خويلد، والملكة أروى، والملكة شجرة الدر، والسلطانة رضية، وست الملك، وروكسلانا وغيرهن من النساء اللاتي كان لهن دور فعال في التاريخ.

وقال إن هذا الكتاب ثمرة تعاون بين المركز القومي للترجمة وبين متحف الفنون الإسلامية بماليزيا، أكبر متاحف الفنون في ماليزيا وجنوب شرق آسيا، وقد تم التعاون مع هذا المتحف العريق من قبل مع مركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية لنشر كتالوغ “أنغام وآيات، روائع الخط الفارسي” وهو أحد معارض المتحف باللغة العربية والخاص بمجموعة من المخطوطات المنفردة، التي تم إبداعها في الفترة ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر الميلاديين.
إسهامات المرأة

يرى عزب أن المرأة أسهمت على مر العصور في الحياة العامة من خلال المهن التي مارستها، وبقيت لنا أسماء لنساء في شتى المجالات، فنجد نساء طبيبات، عالمات، أديبات، شاعرات، وحتى خطاطات، ومن هؤلاء النساء زينب طبيبة بني أود، وهي طبيبة تخصصت في طب العيون، ظهرت في العصر الأموي، وابنة أبي العلاء بن زهر، وهي سيدة من أسرة ابن زهر المعروفة بسمعتها في الطب، وهي ابنة أم عمرو بنت أبي مروان ابن زهر، وقد كانت عالمة بصناعة الطب والولادة. وجارية الحكم، وهي عالمة خبيرة بالفلك.

أما عن فنون المرأة فيقول عزب “أسهمت المرأة بقدر كبير في تقدم وازدهار العديد من فروع الفنون الإسلامية، فعلى سبيل المثال نجد أن المرأة أبدعت في مجال الأزياء، إذ تعد الأزياء بمثابة مرآة التطور الحضاري لأي عصر من العصور، إذ إنها تلقي الضوء على مستوى الحياة الاقتصادية، وذلك من خلال الأقمشة المستعملة فيها، وقبل أن نبدأ الإشارة إلى مكونات ملابس النساء وإلى أنواعها المتعددة، وطرزها المختلفة ينبغي أن ننبه الأذهان إلى أن تفكير المرأة في كل زمان ومكان يبدو متجانسا، وملابسها كانت وما زالت عرضة للتغيير”.

ويوضح الكتاب أن تنوع الأزياء وتبديلها عند النساء في الحقيقة ما هما إلا ضرب من مللهن من النظام الاجتماعي، فالمرأة أسرع الكائنات إلى الملل والرغبة في التغيير والتجديد، وإذا ابتكر زي جديد عد مثالا للأناقة في وقته تنقاد إليه -كما هو معروف- نفوس النساء جميعا.

وأضاف عزب “يرجع تلون الأزياء وتنوعها عند النساء في مختلف أدوار التاريخ، إلى اختلاف الذوق والأهواء ومراعاة البيئة المحلية خاصة عندما تلعب الظروف الاجتماعية دورا مهما في تشكيل هذه الأزياء وتنوعها عند النساء، وليس ثمة شك في أن لكل عصر طابعا خاصا يميزه عن غيره، ولا سيما في أحواله الاجتماعية.

وذكر عزب أن المرأة المصرية نهضت في العصور الوسطى بدورها كاملاً، سواء في الحياة العامة أو في الحياة الخاصة، إذ كان دور المرأة محجوباً في الحياة العامة في الشطر الأول من تاريخ مصر في فجر الإسلام، وذلك بحكم تقاليد المجتمع الجديد وأوضاعه، على أننا لا نلبث منذ عصر الطولونيين أن نصادف إشارات عابرة في المصادر إلى أهمية المرأة ومكانتها سواء أكانت ابنة أم زوجة أم أماً وازدياد الدور الذي تمارسه في الحياة العامة.

وأضاف أن تاريخ القاهرة عرف الكثير من النساء اللاتي أغرمن بجمع التحف الفنية الثمينة سواء من الحلي أو من النسيج أو من الأثاث أو من غير ذلك، وحفظت لنا كتب التاريخ والأدب وصفاً لكنوز التحف التي كان يمتلكها بعض هؤلاء، ويعتبر جهاز قطر الندى ابنة خمارويه خير دليل على ذلك، فقد ذكر أبوالمحاسن في كتابه ” النجوم الزاهرة ” وصفاً لما يضمه هذا الجهاز من دكك ذهبية مرصعة بالجواهر والأحجار النفيسة، وصناديق مكدسة بقطع الحلي والجواهر، وشمعدانات وألوان من الذهب والفضة، وقطع من النسيج الفاخر والسجاجيد النفيسة، إلى غير ذلك من الأدوات والأواني وأدوات الزينة المختلفة التي صُنع معظمها من الذهب والفضة. كذلك خلفت الأميرة عبدة بنت المعز لدين الله الفاطمي عدة خزائن من الجواهر والحلي والتحف بالقاهرة ختمت صناديقها بحوالي أربعة عشر كيلو غراماً من الشمع، كما استنفدت القائمة التي تضمنت حصر مخلفاتها ما يقرب من ثلاثين رزمة من الورق، وقد أطنب المؤرخون القدامى في وصف محتويات هذه التركة.

ولم يقتصر نصيب المرأة في الحياة العامة على التدخل في بعض شؤون الدولة، وإنما شاركت أيضاً مشاركة فعالة في الحياتين العلمية والدينية، فقد أقبلت النساء بوجه عام على مجالس العلم والدين، فحرصت الكثيرات منهن على الذهاب إلى المجالس حيث يجلسن في مكان منفرد عن الرجال لسماع الدروس الدينية.
السلطة والنفوذ

إن الفنون التطبيقية تدين بقسط كبير من ازدهارها لأصابع المرأة الماهرة وذوقها الرقيق، إذ أسهمت في مصر مثلاً في صناعة الخزف والفخار الذي تحمل أشكاله الرشيقة والكثير من زخارفه روح المرأة ورقتها، فقد عثر في أطلال الفسطاط على قاع طبق من الخزف ينسب إلى عصر المماليك مدون عليه من الخارج “عمل خديجة”، كما زاولت النساء في القاهرة أيضاً صناعة النسيج والسجاد، وأنتجن تلك الأصناف التي شهد الكثيرون بامتيازها، والتي ذاع صيتها في البلدان الأخرى.

أما سيد مختار البخاري فقال في مقدمته “إن دور المرأة في العالم الإسلامي هو بمثابة مساحة حيوية للمناقشة اليوم كما كان قد قيل منذ أربعة عشر قرناً من الزمان، وراء العديد من المجادلات فإن وجود نساء مسلمات في أوقات مختلفة جعلتهن يتمتعن بسلطة ونفوذ كبيرين، ولا جدال في مساهمة العديد من الفنانين الذين قاموا بإنشاء أعمال تنسب للنساء في العالم الإسلامي. هذا المعرض لا ينظر فقط إلى حياة المرأة في السلطة، بل أيضاً إلى البعد الجمالي للعصور الخاصة بهن”.

ورأى البخاري أن كتاب “الإيمان والسلطة.. المرأة في الإسلام”، يستكشف جوانب مختلفة من وجود المرأة في الإسلام. بالنسبة للإيمان، فهو يشمل صفحات من الطبعات المبكرة من القرآن الكريم، أما القوة والسلطة، فهناك رموز أكثر علمانية للقيادة، ولقد تم عرض السيوف والأسلحة الأخرى للتذكير بأن الأنوثة والرقة لا تجتمعان دائماً معا، وكانت هناك ملكات المحارب، كما كانت هناك نساء لهن تأثير من خلال الصلاة والصيام. هناك مجموعة واسعة من المصنوعات اليدوية، والتي تمتد لأكثر من ألف سنة، لكن المرأة في القرآن الكريم تعود لأبعد من ذلك بكثير، ربما إلى عصر ملكة سبأ، وهذه هي قصص أناس حقيقيين، والكثير من إنجازاتهم قد تم نسيانها، فعادة ما تتم كتابة التاريخ كما هو وارد في الكثير من الأحيان، من قبل المنتصرين، والعديد من النساء في العالم الإسلامي لم تسنح لهن الفرصة للفوز بالتاريخ. مثل أي شخص في السلطة، فهن لهن أعداء وقصصهن قد تم تغييرها، أو التخلص منها من قبل الأجيال اللاحقة.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى