زينب عزيز: قصة حقيقية عن المهمشين وضحايا «قوارب الموت»

هبه ياسين

لم تتخيل زينب عزيز الطالبة الشابة التي لم تكن قد تخرجت بعد في المعهد العالي للسينما حيث تدرس السيناريو، أن تأتي باكورة أعمالها مع المخرج الكبير محمد خان، الذي وقع اختياره عليها من بين جميع أقرانها لكتابة سيناريو فيلمه «يوم حار جداً»، نظراً إلى تميزها الذي لمسه عقب مطالعة مشروع تخرجها، وكانت الأولى على دفعتها. يومها كان خان يبحث عمّن يكتب معه الفيلم، وأعجبته كتابتها فطلب منها مشاركته نسج فيلمه ما أورثها ثقة كبيرة في نفسها. لكنها ابتعدت بضعة أعوام عقب هذا العمل لتعود عام 2005 عبر الفيلم الكوميدي «حريم كريم» لياسمين عبدالعزيز.
لا تهوى زينب عزيز الكتابة وفقاً لما تقتضيه السوق السينمائية ولا تتبع الموجة السائدة في الموضوعات المطروحة. تستهويها السينما في شكل خاص، لأنها الأطول عمراً وهي التي تخلد أسماء صانعيها، أما الدراما التلفزيونية بالنسبة إليها فعمرها قصير وسرعان ما تدفن وتنطوي سريعاً.
على رغم بدايتها القوية وموهبتها الواضحة، إلا أن أعمالها تبدو قليلة وإن تميزت بالتنوع الكبير ما بين الكوميدي والرومانسي والدرامي بينها «ألوان السما السابعة» و «يوم ما اتقابلنا». وهي شكلت وزوجها المخرج علي إدريس ثنائياً سينمائياً عبر أفلام عدة بينها «حريم كريم» و «كلام في الحب» 2006، و «عصابة الدكتور عمر» 2007، و «بابا» عام 2012. ثم جاء فيلم «البر التاني» 2016 كأحدث تعاون بينهما، طارحين عبره قضية شائكة هي الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر قوارب الموت، والتوغل في الخلفية الاجتماعية لهؤلاء المهاجرين «السرّيين»، وما يعانونه من فقر وعوز وتهميش.
«الحياة» التقت الكاتبة المصرية وكان هذا الحوار:
> ما الذي مثلته بالنسبة إليك تجربتك مع المخرج محمد خان عبر فيلم «يوم حار جداً»؟
– مثلت تلك التجربة سعادة غامرة لي، إذ وضع اسمي بجانب محمد خان الذي كنت منبهرة به للغاية، وكان فيلم «يوم حار جداً» عام 1993، هو فيلمه أكثر منه فيلمي، وجاء بتوليفة خاصة وهو صاحب فكرته، وعلى رغم أنني كنت محجمة خلال الكتابة لشعوري أنه موضوعه الخاص، لكن يظل ذلك الفيلم هو ما قدمني كـ «كاتبة» وأعطاني الفرصة والثقة، ووضع اسمي على الخريطة السينمائية بجانب قامة كبيرة لمخرج شهير منحني ثقته.
> كيف تتوافر لديك القدرة على كتابة أعمال كوميدية ناجحة، تقابلها القدرة ذاتها على كتابة أعمال تراجيدية منها فيلمك الأخير «البر التاني»؟
– لم يكن «البر التاني» عملي التراجيدي الأول أو الوحيد، فأنا كتبت «ألوان السما السابعة»، وسيناريو «يوم ما اتقابلنا»، وأعتقد أن الأمر يخضع لموهبة منحت لنا وتوافر القدرة على نسج الأحداث والحكايات وخلق الشخصيات والتعرف على نفسيتها والكتابة عنها، وعمل حدوتة من البداية للنهاية، وقد تصقل الدراسة الموهبة.
وثمة مواقف قد تؤثر في الكاتب أو تستهويه وتظل قابعة في مخيلته حتى يكتبها في الوقت المناسب. فالفنان يتعايش مع البشر وتختلف مشاهداته عن الآخرين ويهبه الله مستودعاً في ذهنه، ومن ثم يمكنه من صناعة أعمال بكل أشكالها سواء كوميدية أم تراجيدية.
> كونت ثنائياً مع المخرج علي إدريس، هل كونكما زوجين يصنع نوعاً من التقارب بينكما في الأفكار والرؤية؟
– ثمة ضرورة أن يتوافرمقدار من التناغم والتوافق بين المخرج والمؤلف في العمل الذي يصنعانه سوياً، وهناك أعمال أكتبها وحينما أعرضها على علي إدريس قد لا يشعر بالشغف حيالها فيرفضها، وينصحني بتقديمها إلى مخرجين آخرين.

دراما واقعية
> كيف كانت رحلتك مع كتابه «البر التاني»؟
– كتبت هذا الفيلم قبل فترة طويلة بلغت تسع سنوات، في ظل تكرار حوادث الهجرة غير الشرعية، وانطلقت استناداً إلى أحداث وتجارب واقعية لبعض الناجين من رحلات «قوارب الموت»، فذهبت إلى مناطق عرف عنها هجرة كثيرين من أبنائها لا سيما الشباب، ومنها قرية «بساط كريم الدين» وهي إحدى قرى محافظة الدقهلية (دلتا مصر) وأجريت مقابلات كثيرة مع أشخاص ألقي القبض عليهم أثناء رحلتهم للهجرة. ومن ثم تم ترحيلهم إلى مصر. فتعرفت إلى أحوالهم وظروفهم المعيشية الصعبة، وتعاطفت معهم، ورثيت لأحوالهم.
لذا لم أرغب في الصراخ الوطني أو توجيه اللوم إليهم لاتجاههم إلى الهجرة، بل تلمست لهم العذر في ظل عدم وجود مورد للرزق، إضافة إلى غياب كل أشكال الخدمات الاجتماعية، فهم فئة تعاني التهميش والظلم، وبحاجة إلى الإنصاف وهذه إحدى رسائل الفيلم. لكني لم أجد جهة إنتاجية تمول الفيلم حينذاك. إذ سادت السينما صبغة كوميدية، إضافة إلى أن إنتاج «البر التاني» يتطلب كلفة مرتفعة، ومن المؤسف إحجام شركات كبيرة عن إنتاجه، على رغم تناوله قضية كبيرة نعاني آثارها المأسوية في شكل متواصل، ومن النادر أن تناقشها أعمال فنية. وبالمناسبة فيلم «البر التاني» لم يظهر مع موجة غرق مراكب الهجرة غير الشرعية، أي أنه ليس عملاً للمناسبات، بل يتناول الفقر الذي لن ينتهي يوماً.
> برأيك ما أسباب حملة الهجوم الضارية ضد هذا العمل؟
– تعرض الفيلم لحملة هجوم ممنهج وغير مبرر من غالبية النقاد، تحت دعوى إنتاج بطل الفيلم محمد علي للعمل، وهو أمر لم أصادفه من قبل وكان من الواضح أن ثمة عداءً صريحاً للفيلم لمصلحة أهداف وأفلام أخرى، وليس من حيث نوعيته أو القضية التي يناقشها، وبصراحة أثبت الأمر أنه لا يوجد لدينا نقاد لا سيما من يكتبون منهم في الصحافة، حيث ساقوا ضمن انتقادهم للفيلم عبارات ضخمة غير مفهومة بينها قول أحدهم أن الفيلم «لا يوجد فيه الوميض والسحر»، وبوصفي درست النقد الفني، أدرك جيداً قواعده الأساسية التي ينبغي أن تتضمن تقييم أداء الممثلين والمخرج وكل عناصر وأدوات الفيلم، لكن لم يتطرق إليها أحد على أي نحو.
كما أحزنني معالجة البرامج التلفزيونية للفيلم، والتي كانت جميعها قبل شهر من طرحه تنتحب وتصرخ على ضحايا الهجرة غير الشرعية عقب حادثة رشيد وغرق مجموعة من الشباب في عمق البحر أثناء محاولة الهجرة. وحين يستضيفنا برنامج شهير، لم تكلف مذيعته نفسها عناء مشاهدته فجاءت إدراتها للحوار جوفاء من دون التطرق إلى محتواه. ولا يهمني أن ينتقد الفيلم وينعت بكونه سيئاً لكن أستاء من تجاهله.
ربما ألتمس العذر للجمهور، إذ أرى أننا نحتاج قرابة عشر سنوات كي يفكر الجمهور في الذهاب لمشاهدة فيلم راقٍ يحمل قضية ورؤية، لأن المشاهد تم استهدافه سنوات عبر أعمال ضعيفة فنياً وفكرياً وتمثيلياً، لذا لا بد من مرحلة لإعادة تشكيل وجدانه كي يعود لتذوق الأعمال ذات المضمون. وربما يكون فيلمي وأفلام آخرين هي كبش الفداء لتلك الحالة.

سينما المرأة… شعارات مملة للمناسبات
> عدد الكاتبات في السينما المصرية قليل وغالبيتهن يركزن على قضايا المرأة إلا أنك سلكت نهجاً مختلفاً، لماذا؟
– أنا لا أجيد صناعة فيلم عبر تلك التصنيفات، لكن قد تستهويني قضايا وتؤثر عليّ فأكتبها. فيما يتخذ بعضهم «قضية المرأة» في إطار من الشعارات المملة وليس بهدف المعالجة الحقيقية لها، ولا أحبذ أن تتحول أفلامي إلى شعارات أو أعمال للمناسبات، فلا أساير الموضة السائدة في الموضوعات المطروحة لكل فترة. كما لا تروقني أن تأتي كل عناصر العمل من النساء بغية المشاركة به في مهرجانات سينما المرأة.
> وما أسباب قلة أعمالك السينمائية؟
– نظراً إلى عدم توافر جهات إنتاجية، حيث ينحصر الإنتاج في أفلام «المواسم»، التي لا تعتمد على موضوع أو حبكة أو تمثيل، ما يصيبني بالحسرة لأن هذا الأمر قلص من الريادة المصرية السينمائية، ومن يدعي غير ذلك يخدع نفسه، والمواجهة هي نصف العلاج، لأننا حظينا بتوصيف «الريادة» حين كان هناك رواد مبدعون يتمتعون بالثقافة الموسوعية في كل المجالات، أما صناع السينما في الوقت الراهن فلا يقرأون حتى الصحيفة، بل يتفاخرون بعدم مشاهدتهم للأفلام العربية أو ارتياد دور العرض. لكن لا يعني ذلك أن دولة أخرى استحوذت على زمام الريادة من مصر بل لا يزال العرب الآخرون أضعف منا.
> ما مشروعاتك السينمائية المقبلة؟
– أصابني قدر من الإحباط بفعل الهجوم الممنهج الذي حصل ضد فيلم «البر التاني»، على رغم جودة الفيلم، الذي أتوقع أن ينضم إلى كلاسيكيات الأفلام لأن الجمهور سيكون اختلف، وتكون آثار الحملة الممنهجة ضده قد زالت. ومن المؤسف أن إنتاج الأعمال السينمائية صار صعباً للغاية، وكانت شركات الإنتاج الكبيرة في وقت سابق تأخذ أموالاً من بعض المؤسسات الكبرى مثل «روتانا»، وتقوم بالإنتاج وحين توقفت تلك الجهات على ضخ أموال توقف الإنتاج، وصار هناك عزوف من تلك الشركات، ما يدفع للتساؤل هل هم منتجون أم منتجون منفذون أم سماسرة؟

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى