من السينما إلى التلفزيون… محاولات يائسة لتعويض النقص الدرامي

كمال القاضي

إعادة انتاج الأفلام المصرية لم يعد حالة استثنائية، بعد تحولها إلى ظاهرة سلبية تتكشف في شهر رمضان بفعل الإلحاح على الطلب، وانفتاح السوق الدرامية ورواجها، عبر الشاشات الفضائية، لقد أدى العطل عن ابتكار الجديد والمختلف، إلى تشويه الأعمال السينمائية بتحويلها إلى مسلسلات في حلقات منزوعة الطعم والرائحة واللون، فقد شهد الموسم الرمضاني الحالي والمواسم الفائتة الكثير من حالات التعدي على حقوق السينما والأدب، بانتزاع القصص من سياقها وتوظيفها قسراً لتكون مناسبة، من حيث الكم لعدد أيام الشهر الكريم، وهو ما يحتم التلفيق والاجتهاد حسب التصور الذهني لتجار وسماسرة وأسطوات الفك والتركيب، المختصين بالترقيع والرتق، لتجميل الصورة الدرامية المشوهة، بعد عمليات التجميل الفاشلة التي تجرى على النصوص الأصلية للأفلام والروايات.
بعض الأفلام التي تم نقلها إلى الشاشة الصغيرة مأخوذاً عن روايات أدبية، وهو ما يمثل اعتداءً مزدوجاً على الرواية وكاتبها وزمانها وسياقها وأجوائها، وهناك نماذج روائية مهمة تم تفكيكها وأعيدت صياغتها، ففقدت كل خصائصها الأدبية والسينمائية، لعل أهمها رواية «رد قلبي» التي كتبها يوسف السباعي وقدمتها السينما بصورة لائقة في إطار فني بديع، زينه أداء الأبطال الكبار، شكري سرحان وأحمد مظهر وصلاح ذو الفقار ومريم فخر الدين وحسين رياض وهند رستم وفردوس محمد وزهرة العلا، وظل راسخاً بصورته الإبداعية التاريخية في عقل ووجدان الملايين من جمهور السينما العربية، من المحيط إلى الخليج، قبل أن يبتذل في هيئته الجديدة بعد تحوله إلى حلقات تلفزيونية ممطوطة، تولت تجسيدها مجموعة من شباب الفنانين، ظلموا أنفسهم وظلموا العمل فلم يتبق لهم من الأصداء غير ردود الأفعال الجماهيرية الرافضة المستنكرة لهذا الاستنساخ المشوه.
وما جرى على «رد قلبي» جرى أيضاً على فيلم «الزوجة الثانية» للمخرج صلاح أبو سيف، فرأيناه مجرد تقليد ضعيف تنبئ تفاصيله بفضيحة درامية مدوية، فالمقارنة بين الأصل والصورة لم ترحم أبطال العمل التلفزيوني من النقد والسخرية، وكذلك كان حال أعمال أخرى سطت عليها شركات الإنتاج، وعهدت بها إلى ترزية الكتابة والإخراج، فكان مصيرها التشويه أيضاً كبقية الأعمال المشار إليها، ففيلم «العار» على سبيل المثال للكاتب محمود أبو زيد حوله ابنه إلى مسلسل ولم يكن له نصيب من نجاح يذكر، حيث طاردته لعنة الفيلم الذي قام ببطولته كبار نجوم السينما، نور الشريف وحسين فهمي ومحمود عبد العزيز ونورا وأمينة رزق، ورغم كل المحاولات اليائسة لم تتوقف عمليات القرصنة والسطو على التراث السينمائي، فتكررت التجارب بمواصفاتها ومساوئها هذا العام، بتعد جديد على عمل روائي وسينمائي مهم هو «لا تطفئ الشمس» ولكن بنهج مختلف هذه المرة، إذ حاول كل من الكاتب والمخرج أن يقدما معالجة عصرية للعمل الكلاسيكي ليقرباه من الجمهور، الذي لم يقرأ الرواية ولم يستوعب الفيلم، وحفاظاً على الروح القديمة والأجواء الرومانسية التي أبدعها إحسان عبد القدوس، أسندت البطولة للنجمة ميرفت أمين، كي يبقى هناك ظل لقيمة ما داخل الإطار الجديد، ومع كل الاجتهاد لم تستطع البطلة بمفردها حفظ توازن العمل وإعطائه النكهة الرومانسية المطلوبة، لأن أشياءً كثيرة تغيرت في ذوق الجمهور وإحساسه ومزاجه العام.
أعتقد أن انتهاك الأعمال الروائية والسينمائية بنقلها بهذه الكيفية وتسطيحها على هذا النحو سيستمر، رغم كل صيحات الرفض والتنديد، لأن طاقة الاستيعاب لدى القنوات الفضائية الخاصة باتت في ازدياد، والإقبال من جانب شركات الإنتاج أصبح من الصعوبة بمكان التحكم فيه، ولهذا لابد من إيجاد حلول وسط تضمن عدم المساس بالقيمة الفنـــية والأدبية للأعمال التراثية، وأتصور أن الحل هو عودة قطـــاع الإنتاج في التلفزيون المصري لمباشرة دورة كجهــــة إنتاجــــية رسمية يعنيها في المقام الأول المستوى الفني والإبداعي قبل المسألة الربحية، خاصة أن قطاع الإنتاج قدّم على مدى تاريخه مئات الأعمال الفنية المهمة المأخوذة عن روايات أدبية، منها «أديب وزينب والعرش والرجل الذي فقد ظله والأيام» وكلها لم تخرج عن السياق المناسب والشكل اللائق.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى