يحزنني بوشكين في كل مرّة

صبحي فحماوي
فعلت ثقافة مصر شيئاً جميلاً بنصب تمثال فني مميز للشاعر الروسي الفذ ألكسندر بوشكين، في “حديقة الحرية” أمام دار الأوبرا المصرية، وذلك في شهر أبريل/ نيسان 2017. ذلك الشاعر الذي ما نزال نستمتع بقراءة أشعاره، ونتعلم من أسلوبه الشعري، وفكره الثوري الشيء الكثير، والذي يُحدث دهشة الشعور بالوطنية اللاهبة في نفس القارئ، وهو صاحب أشعار تأملية رومانسية، وأخرى وطنية جميلة، ومقاومة لاستبداد القيصر وطغمته الحاكمة، مما دعا لنفيه خارج بلده، موسكو.

في ذكرى ميلاد أمير شعراء روسيا وكاتبها الروائي والمسرحي؛ الكسندر بوشكين، الذي توازي شعبيته في روسيا، شعبية شكسبير، وموليير، والمتنبي، في بلاد العالم، والذي يصادف يوم 6 يونيو/حزيران من كل سنة، أشعر بحزن رومانسي لا يوصف، وذلك لوفاته المبكرة وهو في ريعان شبابه، بعمر 38 سنة، إذ أنه ولد في موسكو عام 1799، وتوفي في سانت بطرسبرغ ، عام 1837.

في تلك الذكرى السنوية، أتذكر هذا الشاعر الوطني الجميل الشعر والشكل والمضمون، الذي كانت له علاقة مع جماعة من الثوريين النبلاء الذين كانوا يستهدفون ضرب الأتوقراطية القيصرية ونظام القنانة في الزراعة، وإقامة نوع من الحكم الديموقراطي في روسيا. وكانوا قد أعلنوا عصيانا في ديسمبر/كانون الأول 1825 فعرفوا بـ الديسمبريين، وجعلوا القيصر نقولا الأول يقضي على هذا العصيان.

بعدها صارت السلطة القيصرية تدقق في أوراق بوشكين وأشعاره .

ثم نفوه إلى خارج موسكو، بحجة أنه أغرق روسيا بأشعاره المثيرة، التي صار الروس يحفظونها عن ظهر قلب.

ونظراً لازدياد شعبيته، وترديد أشعاره، نشيداً وطنيا بدل النشيد القيصري، لم تستطع السلطة نفي أشعاره، فتم اجتهادٌ سلطوي لإبطال مقاومته الشعرية، وذلك بتعيينه شاعراً للبلاط القيصري، ولكنه رغم انتمائه الوظيفي لبلاط القصر، بقي معارضا للقنانة والعبودية الزراعية.

يحزنني بوشكين بقصة عشقه لمحبوبته ناتاليا نقولا، التي كانت من أجمل فتيات روسيا، فحقق زواجه منها، وراح يعيش معها حياة القصور والصالونات الأرستقراطية بصفته شاعر البلاط القيصري، فتعرف عليها في تلك الحفلات (البارون جورج دانتيس)، الفرنسي الأصل، وهو أحد رجالات القيصر، وحاول مغازلتها، بينما هي ترفض الاختلاء به، ولهذا قام بالتحرش بها علناً، واستمرت برفضها الشديد… ولهذا صارت سمعة بوشكين في الميزان، واعتبر هذا التعدي على شرفه من قبل جورج دانتيس، تدبيراً لإيقاعه في مصيدة قاتلة، إذ اضطر بوشكين للدفاع عن شرفه بقبول مبارزة البارون؛ العسكري المحترف، وهو لا يمكن أن يجيد المبارزة بالسلاح مثل ضابط متمرس، فأصيب في تلك المبارزة الخادعة بجراح بليغة، مات على أثرها بعد أيام ثلاثة.

ومن أشعاره الرومانسية التي يتغزل فيها بمحبوبته ناتاليا نقولا، والتي لا تحتاج إلى تعليق، إذ أنها توضح مدى افتتانه بها، واستعداده لبذل روحه البريئة خالصة في سبيل الدفاع عنها، نقرأ:

تحترق شمعة ناحلة شاحبة

قرب سريري،

فتذيب نفسها..

من قلبي تنطلق أشعارٌ متسارعة

على هيئة جداول من الحب

تترنم… تنشد… ثم تتمازج.

تنطلق، مليئة بكِ

زاخرة بشوق متعاظم.

يخيل إليّ أنني أبصر عينيكِ

تشعّان في الظلمة

وتلتقيان عينيّ

أرى ابتسامتكِ

وأراكِ تتحدثين إليّ وحدي، هامسة:

أي صديقي!

يا أعز أصدقائي…

أحبكَ…

أنا لكَ…

خاصتك.

وهكذا خانه القدر بطريقة فظة قاتلة، فصار يعيش وهو يرى حتف علاقته مع زوجته المعشوقة، في اضطراره للموت من أجلها، إذ يقول:

قد انقضت رغباتي

ولم تعد أحلامي محببة لي

لم يبق لي غير آلامي هذه

ثمار فراغ قلب قاحل

في عواصف قدر لا يرحم

ذوى إكليلي المزهر

وها أنا أعيش وحدتي وكآبتي

منتظرا متى تراني أموت

هكذا هي ورقة الشجر المتخلفة

في صفير الزوبعة الشتوية

وحيدة مهزومة تقف مرتجفة

فوق غصنها المتعري

سلام على روح شهيد الحب، شهيد الوطن، أمير الشعراء الروسي ألكسندر بوشكين.

(ميدل ايست أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى