‘امرأة خارقة’ بإمكانيات الخدع السينمائية الحديثة

أمير العمري

ابتكر الطبيب النفسي الأميركي وليم مارستون شخصية “المرأة الخارقة” Wonder Woman عام 1941، وجسدها في سلاسل من كتب ومجلات الأطفال المصورة، ويقال إن مارستون كان يؤمن بقوة المرأة وتفوقها على الرجل، وإمكانية أن تقود العالم في المستقبل.

وهذه الشخصية التي سبق أن ظهرت من قبل في السينما، تعود في الفيلم الجديد الذي نفضل تسميته بـ”المرأة الخارقة” بدلا من “امرأة العجب” أو “المرأة العجيبة” أو “المدهشة”؛ فصفة الخارقة هي ما ينطبق أكثر على الشخصية والفيلم، مقابل الرجل الخارق أو “السوبرمان” الذي عرفناه والمستمد أيضا من مجلات الرسوم.

الفيلم الجديد أنتج أساسا لحساب شركة “وورنر”، وأسند إخراجه إلى مخرجة غير معروفة هي الأميركية باتي جنكنز التي أخرجت من قبل فيلما واحدا فقط للسينما هو “مسخ” Monster وعدة أعمال للتلفزيون، لكن صنع مثل هذا النوع من الأفلام التي تتطلب ميزانيات هائلة (بلغت ميزانية “المرأة الخارقة” 149 مليون دولار) تساهم فيه جيوش من العاملين والتقنيين وخبراء المؤثرات ومساعدي الإخراج المتخصصين في إخراج مشاهد معينة، تجعل وظيفة المخرج تنحصر في إدارة كل هذه العمليات المتنوعة المعقدة والتنسيق في ما بينها، وضمان سير خطة التصوير كما وضعت.

وعلى سبيل المثال فقد استعان فريق الإنتاج بـ43 خبيرا من خبراء المؤثرات الخاصة، وأكثر من 550 من خبراء المؤثرات البصرية Visual Effects ومثلهم من “القسم الفني” من مصممين ومنفذين وفنيين يجيدون التعامل مع أنظمة وبرامج الكومبيوتر المتقدمة التي تمزج الصور بالشخصيات، وتخترع الخلفيات والحركات المناسبة لها.

وأسند الدور الرئيسي “ديانا” إلى الإسرائيلية غال غادوت التي فازت من قبل بلقب ملكة جمال إسرائيل، ثم عملت كموديل وممثلة قامت ببعض الأدوار الصغيرة في أفلام مثل “السريع والغاضب” و”باتمان يتحدى سوبرمان”، وللقيام بدور “المرأة الخارقة” اقتضى الأمر تدريبها على ألعاب الكونغ فو والكاراتيه وفنون القتال بالسيف.

وأمامها يقوم الممثل الأميركي كريس باين بدور “ستيف تريفور” الطيار والجاسوس الأميركي الذي سيصبح رفيقها، والممثلة الأميركية كوني نيلسون في دور أمها “هيبوليتا”، وروبين رايت في دور خالتها “أنتيوبي” التي تدربها على القتال الشاق.
من العصور السحيقة

تقيم “ديانا” المرأة الخارقة، في جزيرة يونانية معزولة تعود من ناحية الطقوس والتقاليد والملابس وأدوات القتال وسبل العيش، إلى ثلاثة آلاف عام مضت، لكنها مازالت قائمة في العصر الحديث في عزلة تامة عما يجري في العالم، إنها جزيرة تؤمن بالإله “زيوس” (إله الخير) الذي يحارب إله الشر “أريس” الذي يريد أن يقضي عليه.

وسكان الجزيرة من النساء اللاتي ينتمين إلى قبيلة “أمازون” المقاتلة التي تتدرب على مواجهة أي هجوم محتمل من جانب “أريس” الشرير وأتباعه، ونساء الجزيرة لا يعاشرن الرجال فليس هناك رجال أصلا، وتقول أم ديانا لها إنها صممتها بنفسها من تمثال صغير من الصلصال ثم طلبت من “زيوس” أن يمنحها الحياة، لكن الأم تخشى كثيرا على ابنتها ولا تريدها أن تتعلم فنون القتال (تسر لخالتها ألا تخبرها بحقيقتها أبدا) بينما تصر خالتها -“أيتوبي” التي يقال لنا إنها أقوى وأعظم مقاتلات “الأمازونيين”- على تدريبها تحسبا لما يمكن أن تتعرض له مستقبلا.

وسينتقل الفيلم فجأة من هذه الجزيرة الخيالية إلى زمن الحرب العالمية الأولى، أي قبل مئة عام فقط من عصرنا الحالي، عندما تتحطم طائرة حربية صغيرة قرب شاطئ الجزيرة فتصارع ديانا الأمواج لتنقذ الطيار الذي يتضح أنه الأميركي الشاب ستيف الذي سيعرّفها على الكثير مما تجهله مثل الساعة وفكرة الزمن التي لا وجود لها في عالم الأمازونيين، ثم يخبرها عما يجري من حرب كونية كبرى في أوروبا، فتصرعلى الذهاب معه لمنازلة “أريس” الذي تعتبره مسؤولا عن هذا “الشر العظيم”.

المشاهد التالية التي تدور في لندن، وهي من أفضل مشاهد الفيلم، تجسد التناقض بين ديانا التي تتصرف بتلقائيتها وردود فعلها البدائية المباشرة، ومن تقابلهم من الذين تدهشهم عفويتها وغرابة شكلها وسلوكياتها، فهي لا تجد حرجا في خلع ملابسها في مكان عام، وتصر على حمل السيف والدرع.. إلخ، ويكلف كريس مساعدته بتوفير الملابس المناسبة لديانا لجعلها امرأة “عصرية” تخفي طبيعتها “المتوحشة”، وتقنعها بالتخلي مؤقتا عن السيف والدرع الحديدي.

ما يحدث بعد ذلك يمكن التنبؤ به ومنه الكثير الذي سبق أن شاهدناه في أفلام أخرى من نوع أفلام المغامرات الخرافية: ديانا تصر على الذهاب إلى جبهة القتال في بلجيكا للعثور على أريس وهزيمته، حيث تقود بمفردها وبفضل ما تتحلى به من شجاعة فريقا صغيرا شكله كريس، وتتمكن من تحريك الجبهة الغربية الراكدة ضد الألمان الأشرار، ثم تتمكن من النفاذ بمساعدة كريس إلى داخل القلعة التي تعتبر مركزا لقيادة القوات الألمانية بزعامة لوندردورف (وهو اسم حقيقي للجنرال الألماني إريك لوندردورف) ثم تنازل لوندردورف وتقتله لكنها تكتشف في ما بعد أنه ليس أريس إله الشر الذي تبحث عنه، وخلال ذلك تكتشف الحب والعلاقة مع الرجل وهي التي لا تعرف أصلا شيئا عن الرجل عدا ما ذكرته لها أمها قبيل رحيلها عندما حذرتها من أنانية الرجال.

شخصيات بسيطة نمطية

الصراع في هذا الفيلم بسيط للغاية، ونمطي، ولا توجد شخصيات مركبة في الفيلم، كما يخلو الفيلم من التعقيد الدرامي والصراع ومن التوقف أمام الشخصيات والتعمق في طبيعتها الإنسانية وما تقوم به، بل جاءت معظم الشخصيات نمطية، أي مجرد كليشهات معروفة ومحفوظة من أفلام أخرى من هذا النوع.

لدينا هنا بطل أميركي يتمتع بالحكمة والشجاعة والإقدام على المغامرة كما يتمتع بدرجة عالية من الذكاء (يصف كريس نفسه لديانا بأنه أعلى في قدراته من أقرانه الرجال).. هذا البطل رغم ضآلة حجمه أشجع وأكثر إصرارا من كبار الجنرالات الإنكليز (الذين تصفهم ديانا بالجبناء) على المضي قدما مع ديانا في هزيمة الألمان، بينما يعمل الضباط الإنكليز على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع الألمان.

لدينا أيضا ديانا التي تتمتع بجسد ممشوق قوي، لا تخضع بسهولة للإغراء ولا تتورط في علاقة عاطفية قد تعوق مهمتها الأساسية التي تتمثل في الدفاع عن الخير ضد الشر، تقود الرجال بشجاعة، تقفز فوق الحواجز، تخترق برجا عاليا يتحصن داخله قناص ألماني لتهدم البرج فوق رأسه، تعبر ميدان القتال بجسدها، تصد الرصاصات التي تنطلق نحوها من مدفع رشاش بدرع بدائي أو بقطعة معدنية تستر جزءا من ذراعها، تستخدم قدرتها على القفز والقتال بالرمح والسيف في مواجهة حملة البنادق الذين تقضي عليهم بالجملة.

إننا أمام بطلة.. امرأة.. أنثى.. خارقة، تتمكن من تحقيق مهمتها بمساعدة البطل الأميركي، والمزاوجة بين الشخصيتين مقصودة حتى يمكن أن تجد رسالة الفيلم البسيطة طريقها إلى الأطفال بسهولة.

سيكتشف المشاهد أيضا أن ديانا ليست كما أخبرتها أمها، صنيعة للإنسان والإله، بل هي “إبنة الإله زيوس”، وسيقول لها إله الشر “أريس” الذي تكتشف أنه جنرال بريطاني وليس قائدا ألمانيا، إمعانا في تجسيد فكرة أن الشر كامن في داخلنا جنبا إلى جنب مع الخير، إن “الإله” ليس من الممكن أن يقضي عليه سوى “إله” مثله.
هذا فيلم كرتوني يصلح أساسا للأطفال، يثير خيالهم بالكائنات الأسطورية التي تتمتع بالقوة البدنية العالية والاستقامة والنقاء الجنسي، لكنه يحمل لهم في الوقت نفسه فكرة خطيرة عن “البطولة الأميركية” المطلقة في مواجهة الشر الألماني، وقدرة البطل الأميركي على إنزال الهزيمة بالأعداء بمساعدة “قوة أسطورية” أنثوية من العصور السحيقة، مكلفة بإنقاذ العالم من الدمار، تردد فكرة تكررت في السينما كثيرا، هي أن الحب وحده كفيل بإنقاذ البشرية من الفناء، وأن الشر كامن في داخلنا نحن، والإنسان مسؤول عما يقع له من كوارث لأنه يهمل الحب.

هذه “الرؤية” التي تكرس في خدمتها كل تقنيات السينما الحديثة والخدع والمؤثرات البصرية، تكمن خطورتها في كونها تمزج الأسطورة بالتاريخ الحديث، وتجعل من الفردانية المتطرفة، والاستناد إلى القوة المطلقة، قيمة لا تضاهيها قيمة أخرى، كما تجعل الإنسان يبدو بشكل عام كأنه قد أصبح لا مفر أمامه من التسليم بالقوة الأميركية التكنولوجية الساحقة التي تزعم أنها تحمي العالم من الدمار، ومن التسليم بشجاعة المرأة الأسطورية الأنثوية التي جاءت إلينا من داخل الأسطورة والخيال الأميركي الذي يروج للقوة المطلقة، لكي تساهم مع رفيقها الأميركي في إنقاذنا من شرورنا. ولا شك أن النهاية المفتوحة للفيلم، تترك الباب مفتوحا أمام ظهور أفلام أخرى ضمن “سلسلة” جديدة قد تستمر لعقود، تبيع الوهم للجمهور.

وفي محاولة لجعل فريق كريس الذي يصاحب ديانا في الجبهة، معادلا للعالم، يجمع الفريق بين الأميركي من السكان الأصليين، الذي يجعله سيناريو آلان هينبرغ مقتفيا للآثار، والمجند من المغرب العربي الذي يرتدي الطربوش ويطلق التعليقات المرحة بالفرنسية، والاسكتلندي الذي يقاتل وهو يرتدي التنورة الاسكتلندية، والأيرلندي مدمن الشراب.. وضمن مجموعة النساء في جزيرة الأمازونيين هناك امرأة سوداء حتى لا يقال إن السينما الأميركية تهمل السود، لكن هذا لا يجعل “المرأة الخارقة” أكثر قربا من عالمنا، بل يظل منتميا إلى عالم “الخيال المصور” الأميركي، وربما يكون هذا كافيا طالما أنه يحقق الكثير من الأرباح لمنتجيه.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى