«أرابيسكا تياترن»… المسرح جسر بين العرب والسويديين

رؤوف بكر

ترتدي معظم الأخبار المتعلقة باللاجئين في السويد لباس السلبية والتشاؤم لأسباب عدة. ووسط غبار الفوضى وزحام أسئلة الاندماج، يخرج بعض التجارب البناءة التي تضفي مسحة تفاؤل مشروع. ومن تلك النماذج «أرابيسكا تياترن»، الفرقة المسرحية التي تقدم عروضاً احترافية باللغة العربية والمؤلفة من ممثلين محترفين من سورية والعراق وفلسطين، ومركزها العاصمة استوكهولم مع احتفاظها بهويتها الأساسية كفرقة مسرح جوال. وتحاول الفرقة أن تملأ فجوة ثقافية كبيرة في صفوف الناطقين بالعربية في السويد، على اعتبار أن لا فرق مسرحيةً في المملكة الاسكندنافية تقدم عروضاً بالعربية، فيما أضحت هذه اللغة في المرتبة الثانية لجهة عدد المتحدثين بها، متفوقةً على الفنلندية.
ويبدو فضاء «أرابيسكا تياترن» رحباً، إذ إنها لا تركز على فئة معينة كاللاجئين أو الوافدين الجدد. ومع الأخذ في الاعتبار التوجه إلى الجمهور العربي بالدرجة الأولى، فإنها تقدم كذلك ترجمة فورية في عروضها من أجل جذب السويديين.
وتقول المديرة الفنية في الفرقة هيلين الجنابي لـ «الحياة»: «تعمدنا أن نبتعد من المواضيع الآنية في ما يخص اللجوء والحروب الدموية التي تحدث في منطقتنا. وكان لا بد لنا وسط هذه العتمة أن نقدم عملاً يحاكي الإنسان قلباً ثم عقلاً فقدمنا الرواية الفرنسية «الأمير الصغير» من تأليف أنطوان دو سانت إكزوبيري وإعداد الكاتب المسرحي وائل قدور، لنجد تقبلاً رائعاً ومرحّباً به من السويديين والعرب». وتضيف: «كثر من الحاضرين العرب كانوا متأثرين جداً، والبعض منهم شعر بالسعادة حد البكاء لدى حضوره عرضاً مسرحياً باللغة العربية للمرة الأولى منذ عشرين عاماً. ولذلك، سيجول الأمير الصغير معظم مدن السويد في الخريف لنقدم خمسين عرضاً في أربعين مدينة بالتعاون مع «ريكس تياتر»، المسرح الوطني السويدي».
وعلى رغم عمرها القصير الذي لا يتجاوز العام ونصف العام، نجحت الفرقة في تثبيت قدميها عبر مسارين متوازيين: الأول يتمثل في تقديم عروض مسرحية احترافية تعزز عودة الثقة بين المغترب والثقافة العربية.
والمسار الثاني، أو «القدم الثانية» كما تسميها الجنابي، فتتلخص في ورش العمل والدورات في الدراما، والتعريف بمفردات فنون الفرجة في مسرحنا العربي كالحكواتي ومسرح الدمى وخيال الظل، حيث تكون الفرقة على تماس مباشر مع المتلقي سواء كان طفلاً أو يافعاً أو بالغاً.
وتهدف «أرابيسكا تياترن» إلى بناء جسور التواصل بين الثقافات من طريق المسرح، وتؤكد الجنابي في هذا الصدد أن «المسرح هو أحد أهم تجليات الثقافة العربية. ونحن نريد إنشاء فرقة تقدم فناً مسرحياً يحظى بإعجاب المتلقي العربي وحتى الغربي هنا في السويد وأوروبا. نريد أن نبرهن على أننا قادرون على تقديم عروض تحظى بمستوى العروض الغربية، فلدينا ثقافة غنية جداً ونحن جميعنا أتينا من بيئة تختلف كل الاختلاف عن تلك الأوروبية». وتوضح: «نريد أيضاً للغربيين أن يتعرفوا على ثقافتنا، والمسرح هو من السبل لذلك. ما المانع من إقامة مهرجان للمسرح العربي في السويد أو مشاركة عروض عربية في مهرجانات عالمية كمهرجان انغمار بيرغمان السنوي الذي يقام في استوكهولم؟».
وفي المقلب الآخر، في شأن التوجه نحو المتابع السويدي أو تقـديم الثقافة السويدية إلى العرب، تنوه الممثلة في الفرقة إلى أنه «من الوارد جداً في خططنا أن نقدم أعمالاً مسرحية سويدية بالعربية، فهناك العديد من كتاب الواقعية السويدية، كالكاتب لارس نورين، الذين نسعى إلى أداء نصوصهم».
وتتحدث المديرة الفنية عن العقبات التي تواجه «أرابيسكا تياترن» كالروتين وصعوبة إنجاز المعاملات الورقية وتحديداً في ما يخص الدعم المادي الذي يأتي من المنح الثقافية التي يدعمها قطاع الحكومة السويدية والبلديات، ذلك أن التمويل الثابت يغيب عن الفرقة كونها مؤسسة غير ربحية. كما تساهم جغرافية السويد الشاسعة في توزّع الكثير من الفنانين المحترفين والأكاديميين على مختلف مناطقها، ما يعرقل التواصل والتعاون ويؤثر في العملية الإبداعية.
قد يبدو نموذج «أرابيسكا تياترن» فريداً مع سعيه لأن يكون منصةً وشبكة عمل للفنانين العرب المحترفين في بلد لم تخترقه آداب الثقافات الأخرى بالشكل المطلوب وبقي محافظاً على خصوصيته على رغم التنوع الكبير الذي يتميز به مجتمعه والذي ازداد بطبيعة الحال مع قدوم مئات آلاف اللاجئين في الأعوام الأخيرة. ويمثل ذلك تحدياً فنياً غير مسبوق ينتظر الآتي الأيام لمعرفة مدى نجاحه من عدمه.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى