حياة العبقري آينشتاين في دراما تلفزيونية

محمد موسى

سَبَقَ عرض المسلسل «عبقري… آينشتاين»، والذي يُعد من أوائل مسلسلات قناة «ناشيونال جيوغــــرافيك» الدرامية، حملات إعلانية واسعة في العديد من الدول الأوروبية. ووصلت تلك الحملات إلى وضع لوحات إعلانية في شوارع مدن أوروبية، فكأنّ قناة ناشيونال جيوغرافيك، التي تغير اليوم في نوعية برامجها وهي مُجربة في إنتاج البرامج الوثائقية الطويلة وأخيراً الدرامية، رغبت في أن تلفت انتباه الجمهور عبر حملات إعلانية مُكلفة إلى برمجتها الجديدة، في مسعى لتغيير صورة نمطية يملكها كثيرون عن القناة، وعن نوعية برامجها.
صَرَفـــت قـــناة «نـــاشــيونال جيوغرافيك» الكثير من الأموال لإنتاج مسلسلها الأول الطويل، فاستعادت أجواء القرن التاسع عشر وتحديداً الخمسين سنة الأولى من القرن العشرين، أي الفترة الزمنية التي عاش فيها العالم الألماني الولادة ألبرت آينشتاين. واستعانت بمجموعة من الممثلين البريطانيين، والممثل الأسترالي جيفري راش، الذي لعب دور ألبرت آينشتاين في مراحل عمره المتقدمة، في حين أدى الممثل البريطاني الشاب جوني فلين، دور العالم المعروف في شبابه.
تبدأ الحلقة الأولى من بداية عقد الثلاثينات من القرن الماضي، مع صعود الحركات النازية في ألمانيا والتي تقود في النهاية إلى هجرة آينشتاين نحو الولايات المتحدة حيث يقضي سنوات حياته المتبقية. وفي مونتاج متوازٍ، تستعيد الحلقة الأولى أيضاً فترة شباب العالم المعروف، لتنتقل بعد ذلك بين شبابه والفترة العصيبة التي سبقت هجرته.
هذا البناء الدرامي يختفي في الحلقة الثانية، ليركّز المسلسل في حلقاته الأربع التالية على دراسة آينشتاين الجامعية، وبداية تفتح موهبته العلمية، وعلاقاته النسائية… فالطالب المجتهد كان يجد، على رغم جدوله اليومي المزدحم وانشغالاته العديدة، وقتاً للفتيات اللواتي كن مبهورات بذكاء الشاب وتفانيه، وإصراره على تحقيق أهدافه العلمية.
بعد البداية المثيرة إلى حدود ما، يأخذ المسلسل انعطافة واضحة في حلقاته الأربع اللاحقة ويركز على تفاصيل الحياة العائلية التي صادفها آينشتاين، المولود لعائلة يهودية، ولأب متسلط كان يرى الشهادة الجامعية التقليدية وحدها ما يمكن أن يوفر الوظيفة والحياة المستقرة لابنه. فلم يكن متحمساً كثيراً لتجارب الابن وشغفه، الذي كان غير مستساغ أحياناً ضمن الدوائر الجامعية. يقع آينشتاين في حب فتاة، لكنّ علاقته الأخرى مع طالبة متفوقة ستوجّه إلى حد كبير سنين شبابه، إذ تحمل الفتاة منه ويتزوجان وينتقلان إلى سويسرا حيث كان يدرس.
ولأن الدخول في التفاصيل العلمية المعقدة لنظريات أينشتاين يمكن أن يكون مغامرة كبيرة لأي عمل دراما، اختار المسلسل عدم التوقف كثيراً أمام هذه التفاصيل، والاكتفاء بالعنوانين الكبيرة التي يفهمها جُلّنا. كما أن المسلسل بدا وهو يشرح بعض المبادئ العلمية كأنه يقدم درساً تعليمياً عجولاً، وإن كان لا بد منه في سياق الدراما التي تقدم حياة واحد من أشهر علماء القرنين الماضيين، وأكثرهم إضافة إلى المنجز العلمي الإنساني.
استعان المسلسل بممثلين بريطانيين لأداء معظم الأدوار في المسلسل، لكنّه جعلهم يغيّرون لهجاتهم ليتحدثوا الإنكليزية بلكنة ألمانية. هذا الاتجاه في صناعة دراما عن شخصيات لغاتها الأُمّ ليست الإنكليزية، لكنها-ولاعتبارات التسويق- تختار الإنكليزية لكونها لغة شائعة كثيراً، تعرّضه لانتقادات كبيرة، إذ لا معنى لمشاهدة ممثلين حققوا شهرتهم في المسلسلات والأفلام البريطانية والأميركية، وهم يتحدثون بلكنة ثقيلة.
وكان أجدر بصانعي المسلسل – إذا أصروا على الإنكليزية كلغة – البحث عن مواهب تمثيلية أوروبية تجيد اللغة الإنكليزية، وتملك اللكنة الطبيعية غير المصطنعة، أو ايجاد ممثلين يتحدثون الإنكليزية بدون لكنات، كما يحدث في بعض المسلسلات.
اختار المسلسل مقاربة عمومية ينقصها التركيز أو العمق لحياة العالم الشهير، وبدت بعض مشاهده تشبه برامج ناشيونال جيوغرافيك الوثائقية التي يعاد فيها أفلمة بعض أحداث التاريخ، لجهة طغيان النبرة التعليمية على تدفق الدراما وسلاسة الانتقال بين المراحل التاريخية والنفسية التي قدمها المسلسل من حياة شخصيته. بيد أن مستوى المسلسل يتحسن قليلاً عندما يقدم آينشتاين في مرحلة نضوجه وشيخوخته، وخصوصاً عندما يركز على تصادمه مع الفكر النازي، مثل ذلك المشهد الذي صادف فيه العالم في الشارع تظاهرة استعراضية لنازيين في المدينة الألمانية التي كان يعيش فيها، ثم الإهانة الهمجية التي تعرض لها من أحدهم.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى