«دكانة أبو ماتيس» معرض للسوري بطرس المعري

هيسم شملوني

من بين أزيز الرصاص، وغبار الحرب المجنونة التي تدور رحاها على أرض سورية، وتحت عنوان «دكانة أبو ماتيس» اقامت صالة «تجليات» في دمشق معرضاً للفنان التشكيلي السوري بطرس المعري، والمقيم حالياً في هامبورغ- ألمانيا نتيجة للحرب الدائرة في سورية، وأتت فكرة المعرض نتيجة لوجود زحمة في الأفكار والتقنيات لديه (ورق، قماش، خشب، قطعة من سجاد…) مستلهماً من صورة «البازار» الموزع في أحياء باريس- التي سبق ودرس فيها- والذي غالباً ما يكون مزدحماً بالأشياء غير المترابطة في استخداماتها أو توظيفاتها. هذا المشهد يشبه كثيراً فكرة الدكانة الموجودة قبل عقود في كل الأحياء الشعبية والقرى في سورية ومثلها في الكثير من الدول. والدكانة يؤمها الناس من كل الأعمار والشرائح الاجتماعية لشراء حاجياتهم البسيطة وربما الأساسية. وأتت تسمية المعرض بـ «الدكانة» كي يكسر رهبة كلمة صالة للفن التشكيلي وحتى يكون قريباً للمتلقي عموماً، في سعي من الفنان إلى أن يكون الفن الذي يصوغه قريباً من الناس ويلامس همومهم وقضاياهم اليومية، ولديه القدرة على التواصل والحوار مع المتلقي البسيط والعادي، مخالفاً بذلك ربما طريقة كثيراً من الفنانين في معارضهم التشكيلية التي تكون حكراً على النخب فقط بتعقيداتها وطقوسها المقيدة.
تعمد الفنان المعري أن يقسم معروضاته وفق تقارب موضوعاتها وتقنياتها داخل صالة العرض وتسمية هذه الأقسام، في مقاربة مع رفوف الدكانة بحالتها العادية، لقناعته أن الدكانة بطريقة عرضها وألوانها المختلفة والموزعة هنا وهناك تحوي من الحياة والحيوية أكثر من صالة أنيقة مرتبة تأخذ اللوحات مكانها في شكل مرتب وغاية في الانتظام ما يجعلها باردة كما يقول، وتفرض قيداً على السلوك والأداء في داخلها، على عكس الدكانة التي تشعرك أكثر بالراحة والحرية في التنقل المريح بنظرك وأحياناً بجسدك بين رفوفها ومحتوياتها.
وعن سبب عرضه في «دمشق» في هذا التوقيت وهذه الظروف التي يمر بها البلد يوضح «المعري» أن هذا ناتج من قضية تنظيمية محضة فهو سبق أن عرض «الدكانة» ذاتها في «بيروت»قبل أشهرٍ ثم تم نقل المعرض إلى دمشق. ويعبر المعري عن حرصه على الاحتفاء بأي عمل من أعماله في هذه المدينة التي يعشقها ويعتبر أن أمراً مثالياً أن ترى أعماله فيها.
ويؤكد في معرضه هذا ما كان قد كتبه في افتتاح معرضه «3 سنوات من ممارسة الفايسبوك» في دمشق أيضاً 2015، و يقول :« إن هجرناهم فلنفكر بهم قليلاً: ففي دمشق من يستحق الحياة. هكذا، تبدو هذه العبارة، حين تتجه كل الجهود إلى العمل في الخارج أو في الجوار القريب، جواباً ممكناً لمن يتساءل عن هدف إقامة هذا المعرض في هذه الظروف وفي هذه المدينة».
اما في شأن ما ينتج من أعمال وعلاقته مع الفن الشعبي، وقناعته بأن الفن وما ينتجه الفنان هو تعبير عن خلاصته الحياتية، فقد شكلت قراءاته عن المقهى الشعبي والحكواتي وخيال الظل وحكايات «كركوز وعواظ، ولوحات «أبو صبحي التيناوي» خلال فترة تحضيره رسالة الماجستير مصادر معرفية نهل منها وخرجت في لوحاته لاحقاً بصيغته وأسلوبه. ولا يخفي المعري تأثره بلوحات التيناوي، وكذلك بالفنان الكبير المرحوم برهان كركوتلي، الذي تعرف إليه شخصياً واطلع على تجربته عن كثب، وأنعكس هذا التأثر بأخذه من أسلافه تلك الموضوعات بوضوحها وبساطة تناولها، مع الاختلاف في استخدام التقنية والتكوين وأسلوب المعالجة. وعن هذا يقول المعري: «أنا أخذت البساطة والسذاجة الواعية من الفن الشعبي، على رغم أنني لا أملك بساطة «أبو صبحي التيناوي» وفطرته، لأني قادم من ثقافة أخرى، وحاصل على التعليم العالي، وهناك اختلاف كبير بين البيئة التي نشأ فيها والتي نشأت فيها». وفي طريقة الفن الشعبي وجد المعري ضالته في إيصال رسالته الاجتماعية أو السياسية لبلوغ المتلقي في شكل بسيط ويسهل فهمه. فهو لا يزال يؤمن بأن الفن لا يزال يحمل قضايا، وأن مقولة «الفن للفن» ما هي إلا مقولة هاربة من ترف فكري لا نستطيع حالياً الوقوف عنده في ظل ما يدور حولنا من صراعات فكرية واجتماعية قبل أن تكون سياسية. وفي هذا السياق يرى المعري أن ما يقوم به من رسوم بسيطة أو رسم كاريكاتيري أو حتى «البوستات» البسيطة التي يكتبها على صفحته في «الفيسبوك» ما هي إلا تكملة لمشروعه ورسالته التي يعمل عليها كفنان له دور التزامي.
وأتى بحثه الأكاديمي من أطروحته في الماجستير عام 1999، والتي تناول فيها الفن الشعبي وكل ما يختص بالذاكرة الشعبية المكتوبة والشفهية. ومن هنا بدأت تخرج الشخصيات التي استوحاها في مجموعة معارضه اللاحقة إلى سطوح اللوحات والورق، والتي تنتمي غالباً إلى الحارة الدمشقية، مع اختلاف بالأسلوب والتقنية المتساوقة مع سوية البحث النظري وتنامي الخبرة العملية. وهذا يعود أيضاً إلى الاختلاف في الحالة الشخصية للفنان والحالة العامة التي يعيشها في محيطه، مستمداً من فن الكاريكاتير سخريته وفي أحيان كثيرة خطوطه للتعبير عن موقفه من الأفراد أو المجتمع. وكان أن عبر عن سخريته من الحرب الدائرة على الأرض السورية من خلال معرضه الذي سبق أن أقامه في باريس في صالة «أوروبيا» نهاية عام 2015 وبداية عام 2016 تحت عنوان «أوقفوا الحرب»، لإيمانه أن جل ضحايا هذه الحرب هم من الأبرياء.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى