‘شبح داخل قوقعة’ كائن سبراني بعقل بشري

طاهر علوان

وجدت سينما الخيال العلمي، منذ زمن طويل، ضالتها التشويقية السردية من خلال ابتكار كائنات سبرانية/بشرية خارقية تغوص عميقا في المجهول وتواجه شتى التحديات بقدرات استثنائية وكفاءة ملفتة للنظر، وهو واقعيّا نوع من التماهي الواعي ما بين عالمي الإنسان والروبوت.

ويخوض الفيلم المعروض حديثا في القاعات العالمية، والمعنون بـ”شبح داخل القوقعة” للمخرج روبرت ساندرز في هذه الإشكالية، وهو فيلم نال حظا وافرا جدا من الاهتمام النقدي ونوقش على نطاق واسع في مجلات “هوليوود ريبورتر” و”فيراييتي” وكرست له صحيفة “الغارديان” تغطيات مكثّفة متواصلة. هنا ثمّة اشتغال بصري كثيف مدمج بالعديد من الخدع السينمائية، فضلا عن طابع الحركة والعنف والجريمة، حيث لم تعد هنالك حدود للزمان والمكان وصارت قدرات الكائن السبراني البشري “ماجور” خارقة للمعتاد وقادرة على القيام بمهام استثنائية وبطولية.

الممثلة سكارليت جوهانسن صارت حقا أيقونة وعلامة فارقة في أفلام الخيال العلمي، فمنذ عام 2005 ونحن نشاهد لها أفلاما مميزة من هذا النوع كفيلم “الجزيرة” (إنتاج 2005)، “الرجل الحديدي” (2010)، “هي” (2013)، “كابتن أميركا” (2014)، “تحت الجلد” (2014) و”لوسي” (2015).

وماجور في فيلم “شبح داخل قوقعة”، هي عقل وروح يموجان في جسد روبوتي، تجارب تجريها شركة عالمية للأبحاث في غرس العقل البشري في الجسم الروبوتي، تشرف عليها الطبيبة أوليت (الممثلة الفرنسية جوليت بينوش) في ظهور قصير ومحدود لها مع تعاطف كبير مع شخصية ماجور، الفتاة التي تفقد أعضاءها الجسدية خلال حادث في عرض البحر أثناء محاولتها الهجرة، ليتم استخدام عقلها الاستثنائي في جسم روبوتي، ومنذ اللحظة الأولى تتمكن من التواصل الرقمي مع أفراد عصابة يخططون لسلسلة من الجرائم لتتمكن من تصفيتهم في أولى مهامها.

الجسم شبه العاري الخارج توا من حوض الحليب، ذلك هو جسد ماجور الفاتنة ذات القدرات الخارقة، وهنا يتم المزج ما بين المغامرة ومتعة الحركة وتفضيل لخيار ما هو بصري على ما هو فكري وما هو شاعري على ما هو مجرد، فضلا عن تنوع للحبكات الثانوية التي تقود تباعا إلى سلسلة من التحولات في وعي ماجور.

بالطبع سيحيلنا الفيلم إلى سلسلة من المرجعيات والمؤثرات السابقة، فجذور الفيلم تذكّر بالقصص المقترنة بالرسوم للياباني مامورو أوشي، ثم إنك تجد لمسات كثيرة من فيلم “متسابق المتاهة” و”الرجل الحديدي” و”ماتريكس”، لكن الاختلاف الجوهري يكمن في شخصية البطلة الاستثنائية ماجور. وتدور الأحداث في مدن تسيطر عليها التكنولوجيا؛ نوع من الاستيطان البشري الذي يبحث عن أسرار تحسين خاصيات الكائن بمنحه قدرات استثنائية، وهو ما تلمسه من الإعلانات التي تنتشر بكثافة على العمارات الشاهقة للمدينة، بما يعني أن ماجور جاءت في زمنها المستقبلي، عندما يصبح البحث في تطوير القدرات البشرية وإدماجها بالروبوتية شغلا شاغلا.

والكائنات هنا تغمرها الإعلانات الرقمية ويكاد العنصر البشري يضيع وينطمس، لا سيما أن البشر صاروا بفضل شرائح رقمية تم زرعها في عقولهم قادرين على التواصل المتنوع مع مصادرهم، وبذلك اكتسب المكان السبراني تميزا في فيلم أتاح للشخصيات أن تعوم في العالم الافتراضي.

أن تكتشف ماجور حقيقتها، وأنها ليست إلاّ ضحية استخدام أناني وبشع لجسمها وعقلها في إطار مشروع شرير لإنتاج القَتَلة المحترفين، وأنها تعثر على أمّها الآسيوية، وتعثر أيضا على الشاب “كوز” الضحية مثلها (الممثل مايكل بت)، كل هذا يعيدها إلى جدل ذاتها كإنسان وبين ما هي عليه، ما يدفعها إلى ارتكاب مغامرة تخسر فيها بعض أطرافها الروبوتية لإنقاذ كوز، فيما هي تتلقى الأوامر من أرماكاي (الممثل الياباني تكيشي كيتانو)، وهو الذي حقق نوعا من التوازن في شخصية ماجور من خلال لجم مغامراتها غير المحدودة، مع أنها تعجز في كل مرة عن تجاهل سيل من الذكريات التي تعصف بعقلها والتي تحتاج لاحقا من صانعي المشروع إلى التخلص من تلك الذاكرة الشقيّة التي تشوّش على وعي الشخصية وأفعالها.

يمكن القول إن فيلم “شبح داخل قوقعة” ناجح تجاريا؛ نجح في أن يحاكي جمهورا عريضا ويضخ خلال ذلك كثافة سمعية بصرية، فضلا عن دراما متصاعدة وصراعات لا تكاد تنتهي، فيما ماجور تخوض المغامرة إلى نهايتها غير مكترثة بنتائجها، فهي القاتل المحترف من جهة والمدافع عن الذات، وكل ذلك والجسد الروبوتي يؤدي كامل وظائفه، بينما العقل البشري محتار في دوافع كل ذلك؟ ولماذا؟ وإلى أين يمضي في تلك المغامرات الجنونية؟

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى