تُعرض في المسرح الوطني البريطاني بمشاركة فنانين سوريين: مسرحية «سالومي» أو قصة الخروج من عتمة الاحتلال إلى ضوء الحرية

انور عوض

إن كنت ترغب في مطالعة التجربة الاستعمارية في الحياة الإنسانية وتداعياتها على حياة البشر وما يقابلها من التوق الإنساني الطبيعي للحرية والانعتاق من الاستبداد بكافة أشكاله، فالفرصة سانحة أمامك لمشاهدة عرض مسرحية «سالومي» التي تعرض حاليا في المسرح الوطني في «ساوث بانك» في لندن. حيث تقدم المسرحية خلاصة سرد التاريخ من خلال قالب مسرحي فني معاصر، يختصر كل شيء، تقدم المسرحية المرأة «سالومي» التي تصمد لتمهد لصنع التغيير والخروج من عتمة الاحتلال، أيا كان شكله ونوعه وفي أي بلد.
لا خلاف البتة في أن النص الذي عالجته المسرحية للقصة التاريخية لـ«سالومي « الابنة التي رفضت الرقص للملك إلا بقطع رأس «يوحنا المعمدان» قد تم طرقه مرارا من خلال مخرجين مختلفين، وبرؤى إخراجية متعددة. غير أن العرض الذي يستمر تقديمة حاليا في المسرح الوطني في لندن يقدم نوعا معاصرا من اختزال التاريخ، لما يمكن وصفه بالمسح الضوئي الفني للتاريخ.
المسرحية تقدم هذه المرة عبر رؤية مسرحية مبتكرة متضمنة إشارات فكرية إنسانية غير مباشرة وحركة جماعية حرة للممثلين على الخشبة، ولكنها في الوقت نفسه لا تلغي فردية الأداء.
خمسة أبعاد نافست بعضها بعضا في الاحترافية الجمالية في المسرحية، منتجة جميعها في المحصلة العامة عملا فنية يوفر للمشاهد زخما من الفنون ودروس التاريخ.
أول تلك الجوانب المتنافسة هو الجانب البصري، الذي احتشد بدون إزعاج بجماليات الأداء والأزياء والإكسسوار التاريخي البسيط، المتوافق لأقصى درجة مع الممثل ودوره والإضاءة. البعد الثاني تجسد في الغناء والصوتيات التي فتحت فضاء أوسع من فضاء المسرح نفسه، دون أن ينفصل عنه للدرجة التي تحول فيه صوت مغنية الأوبرا السورية لبانة القنطار إلى مشهد بصري متكامل، من عمق مصدر الصوت والسماوات التي يبلغها في ثوان معدودات، دون أن يخل ذلك بأدائها كممثلة في المسرحية.
أما الإضاءة خلال العرض المسرحي فقد كانت عنصرا لا ينعكس على الخشبة فحسب بل يصنع على الخشبة صنيعه التعبيري بكل جمال، ومن واقع هذه الاحترافية التعبيرية في الإضاءة يمكن ضمها إلى قائمة أبطال المسرحية،
أما البعد الرابع للعمل فتمثل في الديكور البسيط جدا والمتحول عبر الإضاءة من مجرد مقاعد خشبية إلى لوحة تشكيلية تشد الأبصار وبتوافق كبير مع أرضية الخشبة، التي كثيرا ما شرعت أرضيتها لتخرج منها أكثر من خشبة أخرى معبرة عن ظلمة السجن أو نور الحرية، وكأنما أرادت المخرجة أن تشي برسالة مفادها أن ما في «باطن» المستعمرين ومن يعانون من وطأة الاحتلال والقهر، أيا كان نوعه، عزيمة وصمودا بأنهم سيجدون يوما ما طريقا نحو الخلاص والحرية.
أما البعد الخامس للمسرحية فقد تلخص بتدعيم مفهوم أن التنوع مضمون إنساني وليس خلافيا، حيث خرجت حوارات الممثلين بثلاث لغات هي الإنكليزية والعربية واللغة اليهودية القديمة. وهو التنوع والتعدد نفسه حول أصل القصة الحقيقة من واقع التاريخ والأديان المختلفة، وهو أيضا التنوع ذاته الذي حملته رسالة المسرحية في ما يخص فكرة الاحتلال، سياسيا كان أو دينيا، فكل يحياه من واقعه المعاش، الأمر الذي يجعل المشاهد للمسرحية ينتقل لما يعرفه من احتلال أو سلطة قهر، ومن المؤكد جدا هناك من عبرت بمخيلتهم فلسطين المحتلة أو سوريا الغارقة في الدم، أو سلطة دين أو حكم تقهر الناس وتسلبهم حريتهم باسم القداسة.

رمزي شقير: مسرح داخل المسرح

الممثل السوري رمزي شقير الذي يقدم دور «يوحنا المعمدان» يرى أن ما طرحته مسرحية «سالومي» يتجاوز فكرة الاحتلال المباشر كاحتلال دولة لدولة وقال لـ«القدس العربي» إن «المسرحية قدمت نموذجا عن رجل يحتل امرأة من خلال السيطرة عليها، وكيف يمكن أن تحتل السياسة الدين، وكيف أن الدين يحتل عامة الشعب. وأضاف «فكرة المسرحية تقوم على الانعتاق نحو الحرية الفردية والفكرية عن كل ما هو احتلال لكل ما هو غريب ومؤذ، وشخصيا رأيت في العمل بعدا سياسيا، صحيح أن المسرحية تجسد تجربة الرومان من خلال تجربة مملكة «هيرودا»، ولكن بسهولة يمكن عمل مقارنة وإسقاط التجربة على واقع الشرق الأوسط، خاصة في سوريا، حيث تتمدد أصابع أجنبيه هنا وهناك».
وعن العمل الفني قال شقير إنه أخذ طابع الحركة البطيئة وتعلق أيضا بأداء الجمل والحوارات والمونولوجات لتوضيح الانفعالات على الخشبة، أما الديكور وتغيير الأمكنة فتتم عبر الممثلين أنفسهم، وكأنما ذلك كانت له علاقة بالذاكرة ويكمل قائلا «كنا أقرب إلى مسرح داخل المسرح وهذه فكرة مدهشة».
وأضاف أن المسرحية تطرح مشكلة الحرية المحرمة في بلادنا العربية. وعن اختيار الفنانة السورية لبانة القنطار أضاف «مشاركتها في المسرحية يعد نجاحا في تقديم ما هو جديد، إذ قدّمت الموروث من الغناء الشرقي المبهر، كما هو نجاح لها فهو أيضا نجاح للمسرحية لا يمكن أن يفصله المشاهد عن العرض المسرحي ككل». وحين نوجهنا له بالسؤال عن عدم تناول المسرحية مباشرة لقضية احتلال فلسطين، قال شقير: أعتقد أن المخرجة الجنوب إفريقية كانت لديها الشجاعة وقد وضعت أكثر من رسالة داخل العمل تشير إلى الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين».

لبانة القنطار: موروث الغناء الشرقي

وتقول مغنية الأوبرا السورية المقيمة في الولايات المتحدة لبانة القنطار إن مشاركتها بمسرحية «سالومي» يعد عملا مغاير لتجربتها كمغنية. وأضافت «أنا سعيدة بالمشاركة في هذا العمل لاحترافيته، وقد أتاح لي تقديم ارتجالات من صميم الغناء العربي، خلال مشاهد المسرحية وهو يعبر عن تجربتي في الغناء العربي الكلاسيكي مستفيدة هنا من الأداء الحركي لتقديم الجميل من موروث الغناء الشرقي، وكفنانة سورية وكذلك زملائي السوريين كنا نشعر بأننا نتعاطى مع النص بكامل الإحساس». واختتمت لبانة القنطار حديثها قائلة «أعجبني تفاعل الجمهور مع المسرحية لدرجة أن كثيرين شاهدوا المسرحية أكثر من مرة، ودعني هنا أقول إن رسالة المسرحية وصلت بشكل أو آخر إلى الجمهور كل من وجهة نظرة وموقفه من قضية الاحتلال كفكرة وممارسة».

ثائر موسى: جمود في أداء بعض الممثلين

المخرج السوري ثائر موسى وصف مسرحية «سالومي» عقب مشاهدته لأحد عروض المسرحية في لندن بأنها عمل متميز نصا واداء وإخراجا، وأضاف في إن عمل المخرجة كان خاصا جدا وفيه روح فهم المسرح بطريقة جديدة ومبتكرة». وأضاف محللا المسرحية «أجواء المسرحية مميزة من حيث حلول السينوغرافيا وتنظيم الفضاء، وهنا دعني أقول إن هناك جزءا مبتكرا جدا بالتنسيق مع الإضاءة، وأظن أن المخرجة نجحت كثيرا في تنظيم فضاء المسرح على صعيد الفكرة والأدوات المستخدمة، ومن ثم من خلال التنفيذ، وفقط لديّ ملاحظة متمثلة في شعوري بوجود بعض الجمود في أداء الممثلين في بعض مشاهد المسرحية، وطبعا قد يكون للمخرجة رأيها حول ذلك».
واختتم رؤيته كمخرج قائلا «كمخرج أعتقد أن العرض متكامل العناصر الفنية وناقص في بعض اللحظات التي شابها بعض الجمود» .
مسرحية «سالومي» أخرجتها المخرجة الجنوب إفريقية المعروفة يائيل فاربر وشارك في تمثيلها ممثلون من سوريا، العراق، إيران ودول أخرى، وتعرض المسرحية حتى منتصف هذا الشهر في لندن بعد أن لاقت عروضها في العاصمة الأمريكية مؤخرا نجاحا.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى