الدوبلاج.. فن مهمل عربيا رغم انتشاره عالميا

نجوى درديري

منذ ثمانينات القرن الماضي، والدول العربية تعرف فن “الدوبلاج”، وهو من الفنون السهلة والصعبة في الوقت ذاته، حيث يعتمد على الأداء الصوتي للممثلين، فيكون الصوت وحده البطل والمعبّر عن الشخصية بكل تفاصيلها، ما يزيد الأمر صعوبة لدى الممثل، لذلك فإن المقبلين على أداء هذا الفن ليسوا كثيرين في الوطن العربي.

والدوبلاج مصطلح فرنسي، يعني تركيب الأداء الصوتي على النص الأصلي بلغات أخرى، مثل القيام بتعريبه أو تمصيره (أي بالعامية المصرية)، وهو من الفنون المرتبطة بصناعة أفلام الأنيميشن (الكرتون)، وكذلك أفلام الحركة والمسلسلات الدرامية.
اهتمام عربي

ازدهر فن الدوبلاج عالميا، وبات له نجومه الذين يعتبرون جنودا مجهولين وراء تلك الأعمال، ولفتت أصواتهم أنظار شركات الإنتاج السينمائي العالمية، مثل ديزني، فكانوا أبطالا لأعمالهم المُدبلجة المترجمة عن الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والتركية والهندية وغيرها إلى العربية الفصحى، أو العامية المصرية، أو اللبنانية، أو السورية وأخيرا التونسية أيضا.

والعديد من نجوم السينما العالمية أغراهم هذا الفن، فكانوا أبطالا لأشهر أفلام شركة والت ديزني العالمية، منها فيلم “شريك” على سبيل المثال، من بطولة نجوم هوليوود: مايك مايرز وإيدي ميرفي وكاميرون دياز، وعندما ترُجمت هذه الأفلام إلى لغات أخرى كان النجوم العرب أبطالا لتلك الأعمال المُدبلجة للعربية، ودخل إليها فنانون وممثلون مشهورون، مثل يحيى الفخراني، الذي قام بأداء دور البطولة في فيلم شركة ديزني الشهير “قصة لعبة” أو “توي ستوري”.
وكان من أبرز الفنانين المصريين الذين برعوا في فن الدوبلاج، الفنان الكوميدي محمد هنيدي وقام بأداء دوبلاج فيلمي “تيمون وبومبا” و”الأسد الملك”، والفنانة عبلة كامل التي قامت بدور السمكة “نيمو” من إنتاج أفلام ديزني، ونشوى مصطفى وهاني رمزي والراحل خالد صالح وسلوى محمد علي وغيرهم.

وخصصت القنوات الفضائية العربية الخاصة بالأطفال مساحات كبيرة لعرض الفيلم المُدبلج، وأصبحت أصوات ممثلي الدوبلاج مميزة ومحببة لآذان الأطفال، وبات اهتمام القنوات المصرية المحلية مقتصرا على تقديم هذا الفن فقط، بينما كاد إنتاج الأفلام الكرتونية يكون منعدما، ولا يتم إنتاج مسلسل كرتوني إلا لماما وذلك لعرضه في شهر رمضان، ولا يوجد في مصر حاليا سوى اثنين من الاستوديوهات التي تقوم بعمل الدوبلاج للأفلام.

وقال أحمد محمود، مدير إنتاج شركة منى أبوالنصر لإنتاج أفلام الكرتون، وهي منتجة وصاحبة المسلسل الكرتوني المصري “بكار”، “إن فن الدُوبلاج في مصر يفتقد إلى وجود شركات تموّله إنتاجيا، كما أن هناك نقصا شديدا في عدد الممثلين المحترفين القادرين على أداء هذا الفن، حيث تتعثر الأجيال الجديدة من الممثلين الشباب ولا تجد من يأخذ بأيديها نحو عالم الشهرة فيه”.

وأضاف أن الفنانين المعروفين يصرون على تقاضي مبالغ كبيرة تعادل ما يتقاضونه على أفلامهم السينمائية وأعمالهم الدرامية، رغم أن مسلسل الكرتون لا يستغرق في تسجيله إلاّ ثلاث ساعات فقط، في حين أن تصوير الأعمال الدرامية والأفلام السينمائية يستغرق أشهرا، ومع ذلك فإنهم يريدون الحصول على الأجر نفسه.

ولفت إلى أن هذه هي أهم مشكلة تواجه شركات إنتاج الأفلام الكرتونية بشكل عام، وأن نجوم هوليوود بارعون جدا في هذا الفن ويقدرون قيمته بشكل كبير، وباتوا يقبلون عليه رغم أن صوتهم فقط هو البطل والكثير من المشاهدين قد لا يعرفون من هو الفنان صاحب هذا الصوت.

وعلى خلاف التلفزيون المصري الذي لم يعد مهتما أصلا بأفلام الأطفال ولا بالأفلام المُدبلجة، فإن الاستوديوهات السورية واللبنانية بارعة في هذا الصدد، وتتعامل معها الشركات العالمية المنتجة لأفلام الكرتون وعلى رأسها والت ديزني، حيث تقوم بدبلجة أفلامها باللغة العربية الفصحى.

وتتم دبلجة الأفلام الكرتونية المُعرّبة -أي المنقولة من اللغة الإنكليزية إلى العربية- في استوديوهات خاصة، وهناك فرق بين الفيلم الذي يقوم الممثلون فيه بأداء صوتي له ويكون في الأساس قصة مصرية أو عربية، وبين الأفلام الأجنبية التي يتم تعريبها أو تمصيرها، والتي تكون هي الأصعب.

وفنانو الدُوبلاج في مصر يُعدون على أصابع اليد الواحدة ومعروفون بالاسم، ومنهم الفنانة سهير البدراوي، التي بدأت طفلة صغيرة في برامج الإذاعة منذ الستينات من القرن الماضي في برنامج الأطفال الشهير حينها “ماما سميحة”، ثم اكتشفها الفنان عبدالرحمن أبوزهرة الذي استهواه فن الدوبلاج وسألها “لماذا لا تفكرين في العمل بالدوبلاج خاصة وأن لك صوتا مميزا؟”.

وقالت البدراوي لـ”العرب” “من هنا كانت خطوتي الأولى نحو هذا الفن، فعملت مع شركة والت ديزني العالمية وكان صوتي بطلا للعديد من الأفلام الوثائقية والتسجيلية وبروموهات (مقدمات) الإعلانات”.

وأشارت إلى أن فن الدُوبلاج من أصعب الفنون على الإطلاق، لا سيما أن الفنان يلوّن صوته ويؤدي أكثر من شخصية في العمل نفسه، لافتة إلى أنها في مسلسل “بكار” الكرتوني على سبيل المثال، تقوم بأداء ثلاث شخصيات، هي “المعزة رشيدة” وحسونة وأم الشخصية الرئيسية بكار، مؤكدة أنها تستطيع أن تغير نبرة صوتها ببراعة واحترافية، فلا يستطيع أحد تمييزه بسهولة، وهنا تكمن صعوبة الأداء.
وقامت البدراوي بأداء صوتي للآلاف من الأعمال العالمية والمحلية ورأت أن الأداء الصوتي للأفلام المصرية أسهل بكثير، وتستطيع أن تضيف جملا جديدة إلى السيناريو تعزز الشخصية وتضيف إليها، لأنهم يسجلون الصوت أولا ثم يتم رسم الصور للشخصيات والمشاهد بناء على أداء الممثلين الصوتي.
جاهزية غربية

بالنسبة إلى الأعمال الأجنبية تلتزم سهير البدراوي كممثلة بالنص وبكل حركة وإيماءة فيه، حيث أن الرسم يأتي جاهزا، ثم تضاف إليه الأصوات المُعرّبة، وبالتالي لا تكون هناك مساحة للإضافة، ولا تعترض البدراوي إلاّ على أداء البعض من المشاهد الأجنبية التي يكون بها مساس بالسياسة العربية، وسبق لها أن اعترضت على إحدى الجمل فتم حذفها من المشهد.

وأفلام الكرتون من الأعمال الفنية التي تحتاج إلى مبالغ مالية طائلة لإنتاجها، ولا تستطيع شركات الإنتاج المصرية والعربية -باستثناء عدد قليل منها- أن تنتجها بسهولة، فالأمر يحتاج إلى جهد كبير.

وأكد أحمد محمود أن الثانية الواحدة من الكرتون تحتوي على 25 صورة وتمر بـ25 مرحلة، ما يجعل التكاليف باهظة جدا، وهناك مراكز كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي تعرض دورات للتدريب على فن الدُوبلاج.

وفي المقابل، شدّدت البدراوي على أن القائمين على تلك الدورات ليسوا محترفين، وأن الشباب المقبلين على تلك الورش يعتقدون أنهم سيحترفون في غضون أسابيع ولا يريدون أن يبذلوا المزيد من الجهد.

وأوضح عادل خلف، فنان الدُوبلاج، والذي عمل منذ الثمانينات من القرن الماضي منطلقا من الإذاعة المصرية، أن هناك شبابا مبشّرين وتحتاج موهبتهم إلى جهد حتى يتم صقلها بشكل جيد، وأكد على أهمية أن يصمدوا أمام الأجور الزهيدة.

وأضاف لـ”العرب”، أن الدُوبلاج وأفلام الكرتون عموما من الفنون الرائعة لإيصال المعلومة إلى الطفل بشكل غير مباشر، وهناك أكثر من عمل أثّر بشكل كبير وإيجابي في الأطفال وأدى إلى توعيتهم بقضايا كثيرة. وأشار إلى أن الدُوبلاج باللهجة المصرية من أنجح الأعمال المُدبلجة ويستطيع الأطفال فهمه واستيعابه بسهولة، لافتا إلى أن الشركات المنتجة كانت تنتجه للعامية المصرية من قبل، إلاّ أنها الآن تفضل اللغة العربية الفصحى، ليصل المحتوى إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال في كل البلدان العربية.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى