‘الحروب الأصلية’ مغامرات المستقبل لا تقهر المشاعر الإنسانية

طاهر علوان

ما بين ما هو بشري بكل ما يحمله من عاطفة وحنين أرضي وشجن اجتماعي وإنساني وبين القوة الجبارة والكاسحة التي تمثلها أذرع المستقبليات من اختراعات واكتشافات وقيم سلوكية ومفاهيم غير مألوفة، سنتابع في فيلم “الحروب الأصلية” لكاتب السيناريو والمخرج شان آبيس نوعا فيلميا في سينما الخيال العلمي على الرغم من انحيازه إلى المستقبليات، إلاّ أنه يبقى يستند، وأحيانا يتعكّز، مضطرا على ما هو عاطفي وإنساني لكي تمضي الدراما إلى نهاياتها، ويتكوّن نوع من السرد يمتزج فيما هو ماضوي بما هو مستقبلي.

و”الحروب الأصلية” يحمل تجريبا متنوّعا في هذا الباب، في البدء يتم الإعلان عن أحداث الفيلم تحت عنوان: الإصدار الأول للخيال العلمي، ومجرّد إطلاق هذا النوع من الإعلان فيه اعتداد كبير بما سوف نشاهده من أحداث على أساس أننا إزاء نوع فيلمي مختلف، ما يلبث المخرج أن يؤكد غايته تلك من خلال تقسيم الفيلم إلى فصول متعاقبة كل منها يحمل قسما من الأحداث.

وعودا إلى ما أشرنا إليه في ما سبق بصدد ما هو عاطفي وحسي وإنساني، سيفتتح الفيلم بشخصيتي طفلة وأبيها وكلّ منهما يبحث عن الآخر ويحاول تجاوز حواجز العلم المستقبلي لكي يعود إلى تلك الفطرة الإنسانية البسيطة ممثّلة في العلاقة الأبوية، ومن هذه الثيمة ستنطلق أحداث الفيلم ويتم مزج الأحداث والأزمنة والسرد في خليط يتيح تقسيم الفيلم إلى فصول متعددة.

الطفلة والأب يعيشان في زمن مستقبلي وفي حواضر مختلفة بعد استيطان ما تبقى من البشر في مستعمرتين، إحداهما تشبه مستعمرة العقاب لفرانس كافكا ويدير فيها الجنرال واردين (الممثل تيمورا موريسون) ثلّة من السجناء يجري عليهم التجارب ويمارس في حقّهم صنوف التعذيب، أما نتائج التجارب فتذهب إلى المستعمرة اليوتوبية النائية التي تقودها الجنرالة لين (الممثلة راشيل جريفيثس).

وفي مقابل هذا الثنائي الوحشي هنالك كين (الممثل دانييل مكفيرسون) المجنّد في القوة الفضائية الذي يسترق السمع، فيعلم أن فناء ما تبقى من الأرض بقنبلة ذرية واقع لا محالة، ولهذا يجازف بنفسه لإنقاذ ابنته، لكنه وهو في تلك الرحلة القائمة على المخاطرة يجد نفسه طرفا في صراع الأرضيين ضد حكّامهم المستبدّين، وخاصة الجنرال الشرس واردين، وهناك سيلتقي كين مع ساي (الممثل كيلان لوتز)، وهو المتمرّد على السجن، والاثنان مع الطفلة يخوضان مغامرة اللحاق بالكوكب اليوتوبي أو مستعمرة الجنرالة لين، إلى أن تنتهي المهمة بمقتل كين وجرح ساي وبقاء الطفلة على قيد الحياة.

هذه الدائرة السردية تبقى هي التي تتوزّع عليها فصول الفيلم، وهي محاولة لم تكن موفّقة بما فيه الكفاية في التلاعب بالأزمنة والتنقّل في ما بينها، كما شهدنا في أفلام سابقة مهمة تم فيها مثل هذا التنقّل المدهش بين الأزمنة، كما في فيلم “الحلقي” الذي يشكل علامة فارقة.

في فيلم “الحروب الأصلية” يمكن التوصّل إلى تأثيرات أفلام “حرب النجوم” و”ستار تريك” و”إيليسيوم” في ما يتعلّق بالسّرد الفيلمي والغوص في المستقبل، لكن نقطة الافتراق عن تلك السلسلة تكمن في استثمار الفصول الفيلمية المتتابعة لإتاحة فرصة أوسع للمخرج في عرض الأحداث وفي التنقّل ما بين خطوط السّرد المختلفة.

ومن هنا يمكننا القول إنه على الرغم من تعدد الخطوط السرديّة إلاّ أن هناك متعة في متابعة الأحداث وأيضا مهارة في صناعة المشاهد المرتبطة بالسجناء في مقابل استخدام وجهة نظر الراوي -صوت الشخص الثالث- لتتبّع الأحداث، وهو استخدام مألوف في الكثير من الأفلام، وقد استخدم صوت الطفلة هذه المرة في الكثير من المشاهد.

حفل الفيلم بتنوّع مكاني على الرغم من أن ثلاثة أماكن كانت هي الرئيسية، وهي ما تبقى من الأرض والسجن والكوكب أو المستعمرة اليوتوبية، وما بين ذلك شمل التنوّع المكاني الكثير من الأماكن الثانوية، ومن ذلك زج شخصيات مهرّبي السلاح والأشخاص -وهم يعيشون في قاع المجتمع- في كابينة بأرض قفر، ما لبثوا أن تعرضوا لهجوم الكائنات الوحشية التي تجمع بين الذئاب والدببة على أساس أنها آكلة لحوم البشر، ورغم وحشية تلك الكائنات فإنه لم يكن واضحا ولا مقنعا ترويض أحدها على يد الطفلة التي تتبادل معها لغة الإشارات.

نجح فيلم “الحروب الأصلية” في صنع خليط من الأحداث الافتراضية المرتبطة بالمستقبل في مواجهة الوجود الأرضي القابل للفناء والمهدد أصلا بنوع متطور من عصابات استغلال البشر، لكن في المقابل لم يخرج عن النمطيّة السائدة في أفلام خيال علمي سابقة شكّلت أرضية للتجارب الفيلمية اللاحقة كما هي في هذا الفيلم.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى