«موهبة استثنائية» للأمريكي مارك ويب: حينما تحبنا القطط

عبدالله الساورة: يطرح فيلم «موهبة» أو «موهبة استثنائية» في الترجمة العربية والإسبانية والفرنسية (101 دقيقة/ مايو/أيار2017/ إنتاج أمريكي/ دراما/ المخرج مارك ويب) قصة طفلة تدعى ماري (أدت دورها الطفلة ماكينا غراس) ذات موهبة استثنائية في مادة الرياضيات والحساب.

اكتشاف الموهبة:

كل شيء على ما يرام والحياة عادية حتى تكتشف الأستاذة بوني (أدت دورها جيني سلات) أن الطفلة ماري ذات السبع سنوات تمتلك موهبة خارقة وعجيبة في عمليات الحساب وجمعها بسرعة قصوى. وتبلّغ الخبر في البداية لعمها فرانك (أدى دوره كريس أيفانز) الذي يصر على أنها فتاة عادية، بدون أن يعطي الكثير من التفاصيل عن حياة الطفلة وحياة والدتها. ينتقل الفيلم رويدا إلى تبيان أن والدة الطفلة هي باحثة في الرياضيات، وأنها انتحرت جراء إغراقها في البحث في تفاصيل المعادلات الرياضية الصعبة، بينما والدها مدمن على المخدرات وشخص غير مبال. تدخل جدة الأم الجدة إيفلين (أدت دورها لاندساي دونكان) كشخصية ذات نفوذ مالي وعلاقات قوية في أروقة المحاكم، وتبتغي أن تكمل الطفلة ماري دراستها الجامعية في مادة الرياضيات وتخوض صراعا مريرا من أجل حضانتها، أمام رفض العم. تقوم بحيلة تبني الطفلة من طرف عائلة أخرى تدفع بها الجدة وتربح قضية الحضانة.

بين التربوي والتجاري

هذه العينة من الأفلام تدخل في خانة بين الفيلم التربوي والفيلم التعليمي، حيث نجد مؤسسة المدرسة بإمكانياتها البشرية والمادية حاضنة للطفلة وموجهة إياها إلى مدارس التميز، لأن الطفلة متميزة في مادة الرياضيات، لذلك تصر مديرة المدرسة ومعها الجدة إلى انتقال الطفلة إلى مستويات أكبر، لاحتضان موهبتها. كذلك نجد الحضور القوي للطبيبة النفسية التي تبحث في تفاصيل هذا التفوق.
في الفيلم نجد هذا النوع من الإصرار داخل المؤسسة التعليمية الأمريكية، والتأكيد عليه، وكذلك داخل المحكمة، حيث ينصت القاضي بتمعن لأطراف القضية ويجتهد لمصلحة الطفلة، ويحكم بانتقالها إلى الأسرة الجديدة. هنا سنكتشف خدعة الجدة وكيف تحايلت على القانون بنفوذها.. وكيف أبرز المخرج هذا التباين الطبقي بين مواطن أمريكي يشتغل في صيانة محركات المراكب والسفن، والجدة التي تملك المال والنفوذ وبإمكانها احضار أساتذة للطفلة كأساتذة للدعم والتقويم. في هذا الفيلم الذي يمزج بين ما هو تربوي وحس تعليمي وبعد تجاري، نجد قصة الفيلم بسيطة غير معقدة في سردها أو في محتواها، ولا تتعدى هذه الصراعات الجانبية والعائلية دون أن تنتقل لمواضيع أكثر تعقيدا وغوصا.

شخصيات الفيلم:

تنتقل شخصيات الفيلم بين أربعة أمكنة، المنزل/ الفيلا والمدرسة/ الجامعة والمحكمة والمطاعم الليلية والمركب. في هذه الأمكنة في المنطقة ذاتها يلاحظ حركة ضعيفة تماشيا مع الفكرة المسيطرة، وهي التركيز على موهبة الطفلة. والعلاقة الأبوية التي تجمع العم فرانك مع الطفلة ماري… علاقة الأب بابنته ومعاملتها وفق ما تقتضيه شروط التربية بمساعدة الجارة روبيرتا (أدت دورها الممثلة المخضرمة أوكتافيا سبنسر). هذه الجارة التي يبدو دورها شبه ثانوي، ويرى أنها مقحمة في سياق الفيلم، باعتبارها ممثلة مشهورة يمكن أن ترفع من إيرادات الفيلم وهي من التقنيات المستعملة في الأفلام الأمريكية.
ينتهي الفيلم بحصول العم فرانك على الطفلة والعودة بها إلى المنزل، بعدما تبين للجدة السبب الحقيقي وراء انتحار ابنتها، وهو عجزها عن إيجاد حلول للمعادلات المعقدة التي كانت تبحث فيها، وبالتالي من غير المرجح أن تخوض الصغيرة المسار نفسه واستنساخ نسخة ثانية من الأم المنتحرة.

من سبيدرمان إلى أحلام الطفولة:

المخرج مارك ويب (من مواليد ولاية أنديانا 1974) صاحب فيلم « 500 يوم من الصيف» وتوقيع نسختين من أفلام سبيدرمان، وله حصيلة ثمانية أفلام، يدخل بوابة السينما المستقلة الأمريكية بفضل شركته الصغيرة في إخراج فيلم «موهبة».
يركز المخرج في هذا الفيلم على فكرة التبني وفكرة التميز وأن التفوق يكاد يكون جينيا (من الجينات) ولكن المدرسة/ المؤسسة التربوية تصقل هذه المواهب وتنميتها لذا نجد في نهاية الفيلم قبول الطفلة بين مجموعة الكبار وهي الصغيرة دون مركبات نقص. من المشاهد الأخيرة في الفيلم وهي تتابع دراستها داخل الحرم الجامعي، وتنصت بنوع من التركيز في الصفوف الأمامية لأستاذ الرياضيات وهو يحاضر. إتاحة هذه الإمكانية أو إمكانية التفوق تظهر ليونة المنظومة التعليمية في الولايات المتحدة الأمريكية، بدون أن ينظر لعرقها أو لونها أو أصولها الاجتماعية، أو أنها متبناة أو لمشاكلها في المحاكم، ولكن ينظر لموهبتها التي تتطور شيئا فشيئا ولقدرتها على التميز.

موهبة وسينما التميز

تعج السينما الأمريكية بهذا النوع من سينما التميز، سواء في مادة الرياضيات أو في إملاء الكلمات أو الكلمات المتقاطعة أو في السباحة أو الجري أو في الاكتشافات العلمية أو الرقص أو الموسيقى أو المسرح أو الألعاب السحرية، أو في متابعة الدراسة… وفق القوالب الفنية التي تنطلق في معظمها من اكتشاف موهبة الطفل/ الطفلة، ثم تنتقل إلى عرض المشاكل التي تعترض سبيله تم الانتقال إلى العمل والتفاني في قهر الخصوم بالوصول إلى النتيجة النهائية وهي التفوق والتمييز، لأن المجتمع يشجع على الكفاءات والقدرات وينبني على الأفكار وجديتها والإبداع فيها. لأفلام التميز والتفوق سيناريوهات متكررة تكاد تكون متشابهة.. تركز في معظمها على الفكرة الجديدة والمبدعة وعلى أبناء الطبقة المتوسطة وصعوبات الانتقال من القرية/ المدينة الصغيرة إلى المدينة الكبيرة، حيث يمكن متابعة النشاط الجامعي والدراسة.. وهي أفلام ذات صبغة طفولية وشبابية، تعج بالحضور القوي لعلم النفس ولقضايا الطفولة وإشكالياتها ولعوالم المراهقة وصراعات الشباب في إثبات الذات.
تستغل هوليود فكرة التميز والتفوق، باعتبارها موضوعا مربحا يدخل شباك التذاكر ويراهن عليه المنتجون وتجني من ورائه شركات الإنتاج الهوليوودية أرباحا طائلة، إذا ما قارنا ميزانية فيلم «موهبة» (سبعة ملايين دولار) وهو رقم عادي وبسيط بالنسبة لشركة تنتمي إلى السينما المستقلة. ينضاف إلى اختيار هذه الموضوعات ذات الارتباط التربوي التعليمي والعائلي والمتعلق بقضايا الطفولة والشباب، يمنح جمهورا واسعا لترويج الفيلم داخل أوساط كبيرة من الجماهير وبيعه للعديد من القنوات التي تفضل هذه العينة من الأفلام والمواضيع التي تجمع العائلة بأكملها في فرجتها. زيادة على اختيار نجوم من العيار الثقيل من أمثال كريس أيفانز في دور العم فرانك والممثلة المخضرمة في دور الجدة لاندساي دونكان، بدون الحديث عن الأيقونة السمراء في دور الجارة أوكتافيا سبنسر. أيضا هناك عامل التحفيز في فيلم «موهبة» بدون الإشارة إلى أي موهبة ونوعها أو تحديدها والإشارة فقط في العنوان إلى كلمة موهبة، دون تعريف يجعل المطلع على العنوان حافزا لمشاهدة الفيلم واكتشاف مضمونه.

موهبة وبساطة الفيلم

على المستوى التقني للفيلم فهو خال من المؤثرات وبسيط في تركيبته الإبداعية وبلا تصنع كبير.. حاول فيه المخرج التنويع بين تقنيات التصوير، واستغلال فضاء البحر عند المغيب، في اختيار مشاهد رومانسية تجسد علاقة الأبوة بين العم والطفلة ماري، كذلك في تنويع زوايا للتصوير من زوايا متعددة والتركيز على قسمات الوجوه أثناء أطوار المحكمة، وكذلك في حالة الصراع مع الجدة حول من له أحقية تبني الطفلة. في مشاهد المحكمة تبرز الجدة كممثلة قديرة في تقمصها للدور، وإجابة المحامي الأسمر الذي أتقن الدور بفعالية كبيرة. يبقى حضور الممثلة المخضرمة أوكتافيا سبنسر باهتا وهو حضور عابر فقط.
يعاني الفيلم من تفكك في بناء جدي لهرمية القصة وسيناريو الفيلم وتمتاز بدايته برتابة قاتلة، وتشعر في مجموعة من اللحظات بحالة من اللامبالاة المقصودة أو المتعمدة لشخصية كريس أيفانز المجسد لشخصية فرانك، سواء في العلاقة غير المتكملة مع الأستاذة بوني، التي تنتهي فقط بالجنس أو في تعامله بصرامة مع مواقف الجدة، أو في تعامله مع الطفلة. شخصية الأستاذة بوني (أدت دورها جيني سلات) شخصية غير مكتملة المراحل ويكتمل دورها باكتشاف موهبة الطفلة، ثم بإشباع الرغبة الجنسية لفرانك. تبقى ميزة الفيلم أن ست شخصيات أساسية الطفلة/ العم/ الجدة/ الجارة/ الأستاذة/ القط استطاعت بناء الهيكل الفيلمي وشكلت أساسه بدون إضافة مزيد من الشخصيات وإثقال الفيلم بشخصيات لا تحمل أي رسالة أو مدلول.

القط: أنا معاق أنا صديق

شخصية جميلة داخل الفيلم منحها مارك ويب مجموعة من الأبعاد وحضورا وازنا داخل الفيلم إنها شخصية القط (فريد) المعاق.. ذي العين الواحدة الذي ينظر فقط بالعين اليسرى… حضور القط في استلقائه على المنضدة بالقرب من الطفلة أو في الصالون أو في فراش الطفلة أو في السفر معهم في رحلة البحر والاستجمام أو البحث عنه بعدما ضاع وإيجاده في مؤسسة إيواء القطط والكلاب.. هذه الشخصية غير الناطقة، جسديا حضرت بقوة وجسدت نوع الصداقة المرجوة والمحبة التي يمكن أن تجسد بين العم مع الطفلة، بنوع من التلقائية دون الارتهان للحسابات. منح المخرج القط المعاق بعدا إنسانيا داخل الفيلم مؤشرا عن نوع العلاقة التي يمكن أن تجمع الإنسان بالحيوان المعاق، على الرغم من أنه ينظر بعين واحدة.. فالقط قادر على مبادلة المودة ومنح مساحات للإحساس بالحب والألفة والصداقة المفتقدة داخل أحاسيس البشر، في إشارة للجدة التي تنظر للطفلة فقط كآلة حاسبة أو الأب المغيب بفعل المخدرات، الذي لا يشعر بطفلته، أو العم فرانك الذي يتغاضى عن موهبة الطفلة. ففي كثير من الأحيان يكون الحيوان أقرب الأصدقاء إلى الإنسان وتصير العائلة رمزا للتشظي والتشرذم ومحطة للشرور. ألم يقل «إذا كنت تمتلك روحا فلك القدرة على الشعور بالحب والولاء والعرفان. فالحيوانات هي أفضل بكثير من البشر» على حد تعبير جيمس هيريوت.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى