رحيل المفكّر المصري علي السمان

رحاب عليوة

في نيسان (أبريل) 2012، وقف المفكر المصري علي السمان ينعى بابا الإسكندرية وبطريريك الكرازة المرقسية السابق الأنبا شنودة في حفلة تأبينه. لم يغالب العالم الثمانيني آنذاك دموعه بمجرد أن ذكر كلمة «لقد تركنا»، وحين سئل في ما بعد عن ذلك الموقف قال: «لم أستطع أن أتمالك نفسي وقتها، جمعتني به صداقة كبيرة، كان عبقرياً للمودة». ومساء أول من أمس غيّب الموت العالم المصري الذي خاض غمار الحوار بين الأديان على مدار 60 عاماً، في العاصمة الفرنسية باريس عن عمر يناهز 88 عاماً.
ونعت مؤسسات ثقافية مصرية عدة رحيل المفكر المصري البارز الذي «خسرت مصر بوفاته قيمة وقامة كبيرتين وشخصاً ساهم في قضايا فكرية وسياسية عدة. كان له تاريخ كبير من المنجزات في خدمة الوطن» بحسب المجلس الأعلى للثقافة. و «اشتبك الراحل الكبير مع القضايا المثيرة للجدل مثل قضية حوار الأديان، والصراعات الثقافية وأثرها في العلاقات السياسية بين الدول والتفاهم والشعوب»، كما جاء في البيان الصحافي لدار الكتب المصرية.
ولعل أبرز ما يثار هنا الدور الكبير الذي اضطلع به السمان خلال توليه رئاسة الاتحاد الدولي لحوار الثقافات والأديان وتعليم السلام «أديك» منذ العام 1995، إذ بعد ثلاثة أعوام فقط من ذلك التاريخ وقع أول اتفاق للحوار بين الأديان بين الأزهر والفاتيكان في 28 أيار (مايو) 1998. فيما كانت اللقاءات التحضيرية الأولى لتلك الوثيقة عقدت برعاية المنظمة في العام 1994 بين شيخ الأزهر السابق الشيخ جاد الحق على جاد الحق وعضو معهد الكرادلة في الفاتيكان الكاردينال كونيغ. ويشار إلى أن السمان لعب دوراً في تأسيس «أديك» عام 1989 مع مدير جامعة الدول العربية في باريس عادل الجبيري والأب الكاثوليكي لولون.
ولد سمان العام 1929 لعائلة منفتحة، إذ ألحقه والده في السادسة من عمره بمدرسة الأقباط الابتدائية في طنطا. حصل على إجازة الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 1953، وبعد ثلاثة أعوم حصل على دبلوم في الدراسات العليا للعلوم السياسية والقانون العام من جامعة غرونوبل بفرنسا، ثم دكتوراه في القانون والعلوم السياسية من جامعة باريس عام 1966.
تدرج في عدد من المناصب، بخاصة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، فكان مستشاراً في الإعلام الخارجي بين عامي 1972 و1974، ثم مدير مكتب رئيس الوزراء لمشاريع البنية الأساسية من 1979 الى 1981.
وعلى عكس مواقف الراحل من الرئيس الأسبق حسني مبارك، إذ كان يعتبره «فاقداً للرؤية»، كان يعتبر السادات «ذا عقلية عسكرية فذة»، حتى أنه برر حركة الاعتقالات الواسعة التي شنها في حق المثقفين «بالظروف الاستثنائية، مع الرغبة في إتمام اتفاقية كامب ديفيد».
كما تولى منصب نائب رئيس اللجنة الدائمة للأزهر للحوار بين الأديان السماوية، ومستشار شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي لحوار الأديان، ورئيس لجنة الحوار والعلاقات الإسلامية في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
وللمفكر الراحل مؤلفات عدة منها «من ثورة إلى أخرى: مذكرات مواطن ملتزم في عهد عبد الناصر، والسادات، ومبارك» عن دار النشر «جلجامش» (2012) عن سيرته الذاتية، بالإضافة إلى دراسات عدة بخاصة في شأن التطرف والحوار بين الأديان.
حصل السمان على وسام شرف «ضابط النظام الوطني الفرنسي» (2012)، وقبلها ميدالية تقديرية من رئيس أساقفة كانتربري لجهوده المثمرة في خدمة الحوار بين الأديان (2004).

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى