إبرهيم يزبك يكتشف لبنانياً في ثورة فرنسا الكبرى!

سليم نصار

قبل أن تنطلق الاحتفالات الفرنسية بعيد ثورة 14 تموز (يوليو) كان كتاب إبرهيم يوسف يزبك عن هذه الثورة قد انتشر في مكتبات بيروت. وقد تكون الصدفة وحدها مزجت هذا التزامن بين ذكرى عيد الثورة الفرنسية وصدور كتاب عنها يحمل عنواناً طريفاً هو: «جبلي لبناني في قلب الثورة الفرنسية الكبرى».
وكمثل سائر المؤلفات التي أصدرتها «دار درغام» للكاتب ابرهيم يزبك، فإن العنوان وحده ظل عامل الجذب للقراء. أي أنه يتوخى دائماً الابتعاد عن كل وسائل التشويق والتسويق، مكتفياً بالمضمون المخزون بين دفتيّ الكتاب.
وبدلاً من تدبيج مقدمة عن الكتاب، حرص إبرهيم على نشر توضيح يعترف فيه بأن شخصية المقدم سليم بن فارس هي شخصية مُختلقَة ابتكرها بغرض التحدث من خلالها عن الثورة الفرنسية الكبرى… أي ثورة 1789.
ولكنه، في التوضيح ذاته، يقرّ بأن الأحداث التي دوّنها المقدم سليم، يوماً بيوم، هي أحداث تاريخية صحيحة، استقاها من مصادر مختلفة.
ولكي لا يقع المؤلف في الرتابة، خصوصاً أن المسافة الزمنية التي تفصلنا عن الثورة الفرنسية تتجاوز 228 سنة، فقد اختار الأسلوب الذي دشّنه جرجي زيدان (1861-1914) والمرتكز على كتابة التاريخ في شكل روائي ممتع وغير ممل. ومن أشهر رواياته: فتاة غسان وعذراء قريش وغادة كربلاء وأرمانوسة المصرية.
وحقيقة الأمر، أن الموضوع الذي اختاره المؤلف بقي موضوعاً حيّاً تتوالد نتائجه سنة بعد سنة، الأمر الذي دفع المؤرخين الى الإعلان بأن آثارها السياسية والاجتماعية ظلت تؤثر في مصير العالم طوال القرنين التاسع عشر والعشرين. من هنا القول إن الثورة الشيوعية في روسيا سنة 1917 ولِدَت من رحم الثورة الفرنسية.
هل يمكن أن يكون المؤلف قد استبدل شخصية رشيد غالب الدحداح الذي توفي في مرسيليا سنة 1898 بشخصية المقدم سليم بن فارس؟ من الصعب ترجيح هذا الاحتمال لأن رشيد الدحداح عاش في فرنسا بعد مئة سنة من إندلاع الثورة الفرنسية الكبرى.
وللذين يجهلون سيرة حياة هذا المغامر اللبناني نقول إنه «ولِدَ في بلدة عرمون (كسروان) سنة 1813. وبعد أن أكمل علومه في مدرسة «عين ورقة»، استدعاه الأمير بشير الشهابي وعيّنه أميناً لأسراره.
«ولمّا عمّت الفوضى جبل لبنان، تخلى رشيد الدحداح عن منصبه، وهاجر الى مدينة مرسيليا. وبسبب العلاقات الوثيقة التي نسجها مع الفاتيكان، منحه البابا بيوس لقب «كونت».
«ويبدو أنه جمع ثروة من الضرائب التي كانت تُجنى في عهد الأمير بشير، الأمر الذي مكّنه من شراء قصر في بلدة «دنيار» يليق باللقب. وقد سمّاه «قصر الضفتَيْن»، معتبراً أن هذا الاسم يرمز الى لبنان وفرنسا.
«وبعد أن عاش في مرسيليا عيشة النبلاء توفي سنة 1898. «مدام دي ستال، ابنة الوزير نيكير وزوجة سفير أسوج، هي شخصية مركزية في هذه الرواية. ومن خلال زواجها وملاحظاتها يتمكن البطل المقدم سليم بن فارس الديراني من معرفة المزاج العام للشعب الفرنسي، الأثرياء منه والفقراء.
ويُستدَل من مدخل الأحداث أن المقدم سليم كان يحمل رسالتَيْن الى فرنسا: الأولى، معلنة وتتعلق بدراسة الوسائل الحديثة لتصنيع الحرير. والثانية، خفية وتتعلق بإمكانية سلخ ولاية صيدا عن السلطنة العثمانية، وإقامة إمارة مستقلة برئاسة أحمد باشا الجزار، والي صيدا والشام.
الكتاب بمجمله يتضمن يوميات بدأ تسجيلها بطل الرواية في الثامن من أيار (مايو) سنة 1789، واختتمها في 18 آب (اغسطس). ولكن الثورة الفرنسية الكبرى استمرت أكثر من عشر سنوات، وحصدت آلاف الرؤوس، وشهدت مئات القادة ممن لمعت أسماؤهم ثم اختفت تحت ضربات المقصلة.
ويستدرك المؤلف في النهاية ليشير الى أن المقدم سليم أوقف كتابة يومياته في منتصف الثورة… أو أنه أكملها، ثم ضاعت. لذلك طلب ممن يجدها، أو يعرف أي خبر عنها، أن يكتب له مع وعد بمكافأة قيّمة.
بقي أن نقول إن الكتاب الذي يضم بين دفتيه 250 صفحة، هو أقصى ما يمكن أن يقدمه للمكتبات المؤلف ابرهيم يزبك لقناعته بأن القراء يملـّون المطولات حتى لو كانت مثيرة ومرعبة كالثورة الفرنسية الكبرى.
ومن المؤكد أن الوقائع التي اختيرت لهذا الكتاب الممتع لم تسجل أكثر من مظاهر الجوع والخوف والغلاء والتململ وكل ما هيأ الأجواء للانفجار الشعبي الضخم. لذلك نتوقع أن يصدر المؤلف كتابه الثاني على لسان المقدم سليم، والذي يتضمن وقائع العنف والإرهاب الذي مارسه ميرابو ودانتون وروبسبير ومارا والدكتور جوزيف غيوتين، مخترع المقصلة.
كان تدخل نابليون بونابرت مجرد رد فعل لوقف حمام الدم الذي شغل الشعب الفرنسي مدة تزيد على العشر سنوات، باسم «الحرية والمساواة والإخاء».

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى