“بالعربي فلسفة” : التفكير وما قبل الفعل

القاهرة – إسلام أنور

في محاولة لتغيير الصورة النمطية عن الفلسفة في الثقافة الشعبية، باعتبارها إما مكروهة ومرفوضة دينيًا، أو علمًا نخبويًا صعبًا ومعقدًا ومنفصلًا عن الحياة اليومية المعاشة، نظّم “نادي الفلسفة” في الجامعة الأميركية بالقاهرة سلسلة لقاءات بعنوان “بالعربي فلسفة”. تضمنت الورشة تسعَ محاضرات، تهدف لربط الفلسفة بتفاصيل وأسئلة الحياة المعاصرة واليومية، وتُناقش قضايا متنوعة مثل فلسفة العلوم، والنقاش المنطقي، ومفهوم الحرية، وسبب الحياة، ومفهوم التسامح، وعلاقة اللغة العربية بالفلسفة، وعلاقة الفلسفة بالدين

تميزت المحاضرات التي قدمها طلاب وخريجو الدراسات العليا بقسم الفلسفة بحضور جماهيري كبير نسبيًا، ساعد في ذلك المنهجية التي وضعت بها عناوين المحاضرات ربّما، فقد كُتبت بالعامية المصرية معتمدة على كلمات ومعانٍ بسيطة وسهلة، وجاءت كالتالي: “ماذا تعني الحرية؟”، و”إزاي بتحس بفرق بين مكان ومكان تاني جوه القاهرة؟”، و”ليه عايشين؟”، و”ينفع تتفلسف بالعربي؟”، و”إزاي ما يضّحكش عليك؟ الحجج غير المنطقية في النقاش”، و”هل الفلسفة حرام”؟
الورشة التي عقدت في المبنى القديم لـ”لجامعة الأميركية، المطلّ على ميدان التحرير بوسط القاهرة، شهدت أيضًا مساحة كبيرة من الحوار والنقاش والمشاركة من مختلف التوجهات والانتماءات الفكرية، في صورة تذكّر وبشكل مصغّر بمشهد ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، وحالة التنوع والتعدّدية التي صنعها ميدان التحرير وعاشها المصريون في الأيام الأولى للثورة.
واحد من الأسئلة الرئيسية التي طُرحت في الورشة هو “هل الفلسفة حرام؟”، وفي محاولة للإجابة على هذا السؤال قدّم محمد سامي محاضرة بعنوان “مقتطفات من تاريخ الفلسفة في العالم الإسلامي”، مشيرًا إلى أن مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي تشهد اهتمامًا كبيرًا في صفوف الشباب، بالقضايا الفكرية والاجتماعية. ومع ذلك، ما زال التراث الفلسفي في العالم الإسلامي أمرًا مجهولًا عند غير المختصين، وما زالت أسماء مثل صفي الدين الأرموي، ونصير الدين الطوسي، وسعد الدين التفتازاني، غير معروفة لدى كثيرين ومن بينهم جزء ممن كان في المحاضرة.

في هذا السياق أوضح سامي أن الحديث عن تجديد التراث الديني، دون الاطلاع عليه ومعرفته، أمر يدعو للدهشة ويعكس مدى تعاملنا بسطحية مع الأمور في البلدان العربية، وأضاف: “من الصعب فهم الحضارة الغربية الحديثة دون فهم فلسفة ديكارت، وجان جاك روسو، ونيتشه، وغيرهم، كذلك لا يمكننا فهم تراثنا الإسلامي بدون الاطلاع على فلسفة ابن سينا، وابن رشد، والفارابي، وفخر الدين الرازي، والغزالي”، مشيرًا إلى أن عنوان الندوة القائم على سؤال هل الفلسفة حرام؟ يحمل في داخله الإجابة، فالحرام والحلال مرتبطان بالفعل، بينما الفلسفة مرتبطة بالتفكير، وهي مرحلة قبل الفعل.
بينما في محاضرة بعنوان “ليه عايشين؟” تحدثت يسرا حمودة عن معنى الحياة وفلسفة وجود الإنسان، مشيرة إلى أن معنى الحياة في الديانات الشرقية مرتبط بالوصول لمرحلة “التنوير”، وهي المرحلة التي يتوحد فيها الإنسان مع الله، وهذه الفلسفة تظهر بوضوح في المعتقدات الهندوسية والبوذية، بينما في الديانات الإبراهيمية يتغيّر السؤال من: لماذا نعيش؟ إلى: لماذا خلقنا الله؟ فالهدف من الحياة هو عبادة الله وإعمار الأرض، بينما في الفلسفات الغربية الحديثة تربط غاية الحياة بمفهوم السعادة، فالإنسان يعيش من أجل أن يحقق السعادة.
في الختام أكدت يسرا حمودة منسقة “نادي الفلسفة” في الجامعة الأميركية، أن هدف الورشات الأساسي، يتمثّل في ربط الفلسفة بالحياة اليومية، والدعوة إلى الحوار وإعمال العقل والتساؤل، وقالت “خلال الفترة القادمة سيكون هناك ورش أخرى، تُركّز أكثر على البحث والتفكير، ومناقشة مناهج فلسفيّة حديثة، بالإضافة إلى الحوار حول علاقة الفلسفة بالعلوم الاجتماعية”.

(العربي الجديد)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى