فاطمة اسبر: الفن اختراق وكشف لما وراء الواقع

بسام الطعان

فنانة تشكيلية سورية، من مواليد دمشق، متخصصة في اللغة العربية، وحائزة على شهادة الدكتوراه في نقد الشعر الحديث من خلال رسالة بعنوان: “ظاهرة الرفض في شعر أدونيس”. وبعد أن تركت التدريس بدأت بالتفرغ للرسم تماماً وهي بصدد إقامة أكثر من معرض في المستقبل القريب.
قالت في بداية حوارنا: ما أنا إلا تلميذة في مدرسة الفن المستمر استمرار الإنسان، وكل يوم أكتشف جديداً، يقودني إلى الكشف عن جديد، الكشف عن الجديد لا ينتهي، والفنان بعد نهاية كل لوحة، والأصح القول التوقف عن إضافة أي شيء إلى اللوحة لأن اللوحة مثل القصيدة لا تنتهي. وكما يصل الشاعر إلى نقطة في زمن معين لا يقدر أن يضيف شيئاً، كذلك حال الرسام مع اللوحة، فإنه يتوقف في تلك اللحظة، إلى أن يبدأ لوحةً جديدة، فيولد من جديد، لذلك أقول لمن لا يعرفني: بأنني متخصصة في اللغة العربية لكنني أحب الرسم، وحين أنهي العمل في لوحة وأبدأ لوحة جديدة، أشعر بتجددي، وأسأل نفسي إن كنت أنجزت شيئاً مؤثراً في تلك المساحة الفنية التي يسهم في تجميلها كل فنان مهتم.
إن حبي للرسم بدأ مبكراً، وكنت أرسم وجوها أمامي، وأتخيل وجوهاً آتيةً من البعيد، من المستقبل، لم أدرس الرسم أكاديمياً ولم أمارسه إلا بعد أن تركت مهنة التدريس، فالرسم بحاجة إلى حيز مهم في المكان وفي الزمان، بخاصة الرسم بالألوان الزيتية.
وأنا لا أعرف قيمة ما رسمت إلا من خلال الأصدقاء ومن خلال شعوري، فأنا لم أقم حتى الآن بأي معرض، والسبب هو أنني لم أفكر يوماً بذلك، لكن كل من حولي من أقارب وأصدقاء يتوجهون إليّ باللوم في تقصيري، كما أن كتابة بعض المهتمين بالرسم عن أعمالي ومن خارج سوريا، وأخذ عدد من أعمالي أغلفة كتب لشعراء وكتاب في تركيا وألمانيا والمغرب العربي وفي سوريا ولبنان، شجعني ودفعني إلى أن يكون لي اهتمام مختلف بإقامة معارض لأعمالي بدءاً من الخريف القادم إن شاء الله.
وترى الفنانة التشكيلية د. فاطمة اسبر أن هناك أبعادا مرئية وأخرى غير مرئية، وبين الأبعاد المرئية توجد تموجات وإشارات غير مرئية أيضاً.. فالمرئي هو الواقع والطبيعة واللامرئي ما يسمى ما وراء الواقع وما وراء الطبيعة أو البعد الرابع. وهنا تبدأ مهمة الفنون والشعر والكتابة في البحث والكشف عن التموجات المجهولة بين الأبعاد القائمة المعروفة والبعد الرابع.
وكما يقولون: “الفن يُغري والعلم يكتشف” ومن هنا نستطيع أن نميز الفنان بين المصور والكاشف. الكاشف مبدع لأنه يسبق غيره في رؤية غير المرئي، ومن هنا أيضاً يصح القول بأن الفن مناجاة للخالق ففي القرآن الكريم {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر ولم تنفد كلمات ربي}. وهل كلمات الله غير ذلك البعد في الزمان والمكان ومايحويه من مجهولات؟
والكشف عن هذه الكلمات بكل صورها المعرفية تتأتى عن طريق الكشف الفني والعلمي، وفي كل كشف تكون المناجاة، ولا شك أن تعريف الإبداع والمبدع يبدأ من هنا.
وقالت: أحب أن أشير أيضاً إلى إمكانية البحث عن وجه الشبه بين أثر الفراشة والبعد الرابع من حيث الاستمرارية والتكثيف، وقد صممت ما يقارب عشر لوحات بعنوان أثر الفراشة، وكان صداها جميلاً جداً في ما نسميه العالم الافتراضي، والذي بدأ يفرض قربه أكثر من العالم الواقعي، وأجمل ما فيه أنه باب مفتوح للجميع.
وتؤكد اسبر إنها لم تقل مرة عبر وعيها إنها سترسم شيئاً محدداً، وقالت: لا أقدر أن أملي على نفسي موضوعاً معيناً..فقط أشعر بشوق ورغبة للرسم فأبدأ بوضع بعض الألوان وأحياناً أضع لوناً واحداً وأبدأ بتحريك اللون، إلى أن يطلب هو لوناً آخر معه، بعد ذلك نتحول إلى فريق عمل، أرضية اللوحة والألوان وحركة يدي ونقوم معاً بعملية بحث إلى أن يتبلور شكل ما أو جو معين، ونعمل جميعنا على إبراز ما يقول لنا: “أخرجوني، أريد أن أكون”، وهكذا تراني مع هذا الفريق في حالة بحث مستمر.
وتشير فاطمة اسبر إلى أن كل إنسان لديه شيءٌ ما يريد التعبير عنه بطريقة ما، وهي تلجأ أحياناً لكتابة كلمات تحمّلها الشعور الذي يدفعها إلى الكتابه، وتقول: في الرسم الأمر يختلف، أشعر بشيء في داخلي يدفعني دفعاً: كي أذهب إلى ألواني، أحياناً أشعر بأن كائنا ما يجول في داخلي ويقول لي: أخرجيني، وحين أبدأ في الرسم وأصل إلى نقطة ما قريبه من التوقف، أشعر براحة، لأن الكائن قد أخذ مكانه في اللوحة.
وتضيف: لم أفكر عند البدء في الرسم إلا بالدخول مع فريق العمل المكون، كما قلت، من الألوان وسطح اللوحة والحوار بينهما، وما سوف أعمل على إظهاره. كذلك لا أفكر بالمدارس الفنية، ولا لأي مدرسة سينتهي هذا العمل. لا تتعجب إن قلت لك بأن ذلك يشبه عملية الولادة، فهي عملية ترقب للمولود الجديد، فلا تفكير إلا بخروجه إلى الحضن، لكن بعد التوقف عن العمل، والتأمل في المنجز الجديد، ساعتها أتمنى أن يُعجب الجميع.
وتوضح فاطمة اسبر أنها ليست متابعة دقيقةً لما يُكتب عن فن الرسم بشكل عام وبخاصة في سوريا، لكن من خلال ملاحظات وكتابات قليلة ومتفرقة ترى أن المنجز النقدي ليس مواكباً للمنجز الفني، الفن سابق للنقد، تماماً كما الشعر الذي كان سابقاً لعلم العروض. النقد مهم في تقديم المنجزات بشكل أوضح وأوسع، وما أقصده بقولي الفن قبل النقد، هو قناعتي بأن الفنان أقدر على نقد نفسه، كما يوجد شعراء هم أهم من نقدوا الشعر.
وتقول: بعض الفنانين ممن لهم حضور مرموق ينصح بإطلاق المشاعر وعدم تقييد الموهبة بأي قيد، الفن الواقعي يبقى أساساً تعليمياً، والدراسة الأكاديمية تعلم الدارس الشكل والمقاييس وطبيعة الألوان وربما المهارة في إنتاج شكل ما، لكنها لا تصنع فناناً. طاقات الفنان هو من يقدر على تفجيرها وتوليدها.
وأما من حيث الأهمية فكل عمل جميل يحمل أهميته في مفرداته واقعياً كان أم تجريدياً ومهما كان انتماؤه. الأهمية ليست حكراً لمدرسة أو اتجاه ولا الجمال. لكنني ضد أن يكون الفنان غارقا في الواقعية، لأننا يجب أن لا ننسى أن عين الكاميرا أكثر دقةً وشمولا، ونحن نرى في ظل التطور التقني أن عين الكاميرا يمكن أن تنتج لوحةً، فليس من الفن أن تظل عين الفنان تنقل الواقع كما لو أنها صارت هي الكاميرا، الفن اختراق وكشف لما وراء الواقع ولذلك أرى أن من مسؤوليات الفنان أن يتجاوز الواقع إلى ما وراءه.
وعن اختيارها للألوان تقول الفنانة: أبدأ بلون واحد وربما لونين، وأحركهما إلى أن يتبلور شكل ما، ثم بعد ذلك أشعر أن هذا الشكل هو الذي يطلب ألواناً. في الحقيقة تتغير اللوحة كثيراً إلى أن تصل، وأحيانا تولد وتستقر، ثم تهمس اتركيني هكذا، لا أريد إضافات، وأطيع ما تقوله، لأنني أصدق.
وعن الفروق بين أنواع الألوان تقول: كثيرون هم الفنانون الذين ينوعون باستخدام الألوان بين مائية وباستيل وأكريليك ومواد مختلفة، وترى أعمالاً في غاية الجمال بالمائي وغيره. بالنسبة لي أحب الرسم بالألوان الزيتية مع أنها تحتاج إلى تمديد بالمادة النفطية، لكنها تناسب رؤيتي أكثر. وأقوم ببعض الأعمال بطريقة الكولاج.
وتوضح أن لإبداع هو أن يأتي الفنان بالجديد، لكن ما تعريف الجديد؟ هل هو شيء غير مسبوق؟ أم هو طريقة غير مسبوقة؟ أم هو اختراع لون غير مسبوق؟ أم هو كل هذه الأشياء مجتمعة؟ أحيانا طفل بنقطة وخط صغير وحركة بسيطه على الورقة يدهشنا بعمل لا نتوقعه، مع أننا نعرف الخط والنقطة، وتلك الحركات الصغيرة، ومن هنا أقول ومن خبرتي المتواضعة إن طريقة التقديم، بقدر ما تجذبنا وتؤثر فينا، يكون عامل الإبداع حاضراً.
إن فاطمة اسبر تسعى إلى خلق جمالية للمرأة، في العمق والغرابة، وفي التسميات، لأن المرأة بقدر ما تكون جميلة في داخلها، تزيد الحياة جمالاً في كل الأبعاد.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى