التكنولوجيا في حكايات «أطفال العالم الجديد» للأمريكي ألكسندر وينستن

قطر الندى ديار

ما الأسرار التي تخفيها التكنولوجيا مستقبلا؟ سؤالٌ، قد يبدو للبعض بدون معنى، وليست هناك فائدة من طرحه، مادامت التكنولوجيا أصبحت أمرا واقعيا، وفرضت نفسها على حياة المجتمعات والأفراد، بينما السؤال قد يبدو للبعض الآخر صعبا، والإجابة عليه يخفيها المستقبل. حكايات «أطفال العالم الجديد» للكاتب الأمريكي ألكسندر وينستن تُجيب عن هذا السؤال بواسطة مجموعة قصصية، تحكي علاقة المجتمعات بالتكنولوجيا، وهيمنة الآلة على الحياة والعلاقات الإنسانية والمشاعر، واستشراف مستقبل المجتمعات التكنولوجية.
قدم الكاتب مفهوم التكنولوجيا من منظور مستقبلي واجتماعي، وطور هذه الفكرة في كل قصة، ولكن بطرق تعبيرية مختلفة. شكلت القصة الأولى «وداعا يونغ» مدخلا تشويقيا لعالم حكايات «أطفال العالم الجديد». وإذا كان عنوان القصة يفترض فكرة الفقد، أو الموت، ما يجعل القارئ ينتظر حكاية تراجيدية تدور أحداثها حول موت شخص، فإن قراءة القصة تجعل القارئ يتخلى عن هذا الافتراض. تحكي «وداعا يونغ» قصة أسرة أمريكية تتبنى «روبو» صيني، يُدعى «يونغ» من أجل ابنتها «ميكا» المتبناة، التي كانت تعاني من الوحدة، لأنها تفتقد لأخ أو أخت. قام والدا الابنة بإحضار الروبوت الصيني، كي يلعب ويلهو معها، ويؤنسها في وحدتها، ويتحول بالنسبة إليها إلى «أخيها الأكبر ومربيها وخزان الثقافة الصينية». تمكن الروبوت «يونغ» من ملء حياة الابنة «ميكا»، فقد كان يهتم بها، ويرافقها ويطيع والديها، بل أدخل السعادة إلى الأسرة كلها. تحول الروبوت تدريجيا – من وسيلة للمساعدة، إلى شبه إنسان، أي من وسيلة ابتكرت من طرف الإنسان إلى عنصر سعادة للإنسان.
في يوم، كانت الأسرة مجتمعة حول طاولة العشاء، تفاجأت بعطل في الروبوت، فقد توقف عن الحركة والعمل. فقدت الأسرة أعصابها وهدوءها، وانفجرت «ميكا» في البكاء. ساد التوتر والقلق في البيت، ومع عدم استجابة الروبوت للعودة إلى الحياة، توقفت حياة الأسرة، سارع الأب في اليوم الموالي لإصلاح الروبوت، ولكنه فشل. مات «يونغ» وتأزمت الأسرة، ولم تستطع تحمل الفقدان، ثم قامت بدفن الروبوت.
تجيب قصة «وداعا يونغ» عن السؤال الأول: «ما الأسرار التي تخفيها التكنولوجيا مستقبلا؟» من خلال حكاية حاجة الإنسان إلى الآلة، ثم تحول الحاجة إلى شعور وإحساس. تحكي القصة انتقال التكنولوجيا من مجرد أداة صنعها الإنسان لخدمته، واختارها لتقدم له المساعدة في حياته وعمله إلى كائن إنساني، يوزع المشاعر على أفراد الأسرة، ويملأ الفراغ، ويجعل الحياة أجمل. ولعل فكرة «دفن يونغ» تحمل دلالة رمزية قوية على هذا الانتقال، وعلى تقلص المسافة بين الإنسان والآلة. فالأسرة في قصة «وداعا يونغ» تبنت آلة، غير أن هذه الآلة ستجعل الأسرة تتبنى علاقة اجتماعية جديدة، فنحصل بهذا على علاقات اجتماعية مختلفة، تبني الأسرة لـ«ميكا»، وتبني الأسرة لـ«يونغ» من أجل «ميكا»، ويونغ يجعل الأسرة تتبنى علاقة جديدة وإنسانية مع التكنولوجيا.
يعرض الأمريكي ألكسندر وينستن في حكايات «أطفال العالم الجديد» إشكالية المجتمعات الإنسانية في علاقتها بالتكنولوجيا، مستشرفا المستقبل، وما يمكن أن يحدث للعلاقات الإنسانية، وكيف يمكن للمشاعر أن تنبض للآلة، والتكنولوجيا أن تثير المشاعر، ثم كيف يمكن أن تصبح العلاقة مع التكنولوجيا مستقبلا، وكيف يمكن للتكنولوجيا أن تعوض البشر. إنه يطرح من خلال حكايات المجموعة القصصية مجموعة من إشكاليات المجتمع التكنولوجي المستقبلي. حاليا، تلقى التكنولوجيا إعجاب الناس، وأصبحت تحتل مكانة كبيرة في حياتهم وعملهم، ونجحت في أخذ مكانة مهمة في المنتوجات الاستهلاكية، وأصبح التخلي عنها، أو استبدالها غير ممكن. استطاعت التكنولوجيا أن تخدم الإنسان، وتغير نمط حياته، وتخلق مجتمعات ومفاهيم جديدة. أظهرت قصة «وداعا يونغ» المفهوم الجديد للمجتمع التكنولوجي، أو للمجتمع البشري وهو يتحول إلى مجتمع تكنولوجي من خلال التجاذب بين التكنولوجيا كوسيلة والتكنولوجيا كضرورة. فالقصة تثير الغرابة والقلق في الوقت نفسه، لأنها تستبدل الوجود الإنساني بوجود آلي، وتنقل العلاقة بالتكنولوجيا من مستوى الحاجة – المساعدة إلى مستوى الحاجة الإنسانية. إنه قلق فلسفي يجعلنا نفكر في علاقتنا بالتكنولوجيا. إذا كانت أجواء القصة تطرح سؤال العلاقة مع التكنولوجيا، ومع الروبوت «يونغ»، فإن الانتهاء من قراءة القصة، يطرح أسئلة جديدة مثل: «هل الإنساني سيتخلف لصالح التكنولوجي؟ وهل حضور التكنولوجيا في حياة الأفراد، تعكس تراجع البعد الإنساني؟ وهل تبني الآلة يعبر عن فشل التبني الحقيقي؟ وهل نعيش مرحلة تراجع المشاعر؟ ومن الذي يتحكم في هذا التراجع؟ هل الإنسان نفسه، أم قوة التكنولوجيا؟ وهل التكنولوجيا بكل أنواعها ستجعل العلاقات الإنسانية تفقد مفهومها الاجتماعي؟ هل إضفاء المشاعر على التكنولوجيا عبارة عن موت المشاعر عند الإنسان؟ هل التكنولوجيا هي الخلاص؟ إنها أسئلة من وحي قصة «وداعا يونغ» في حكايات «أطفال العالم الجديد» للكاتب الأمريكي ألكسندر وينستن.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى