شبهات حول نوبل والأوسكار: جوائز الدولة المصرية في دائرة الشك

كمال القاضي

الظاهرة الأغرب والأطول عمراً والأكثر انتشاراً، هي تلك الظاهرة التي تصاحب عادة الجوائز الكبرى والمزايا الأدبية، وقد يكون فتح هذا الملف مرتبطاً الآن بحدثين مهمين، الأول هو جوائز الدولة التي أعلنت مؤخراً وأثارت لغطاً وخلافاً كبيرين حول مدى استحقاق وعدم استحقاق الحاصلين عليها في شتى المجالات. والحدث الثاني هو الحدث الأقرب والمتعلق بمنح التفرغ والصراع الدائر حولها وشروط الحصول عليها، وهو أمر يستدعي التوقف أمام مسألة التشكيك في الجوائز بشكل عام، سواء المحلية أو العالمية، فما تمثله من حفاوة وتقدير للحاصلين عليها يساوي تماماً ما تسببه من غبن وتكدير للمحرومين منها.
ولو بدأنا بالمحلي من تلك الجوائز سنجد أن عاصفة الرفض دائماً ما تكون الأقوى والأوضح، إزاء جوائز الدولة التشجيعية والتقديرية، التي تمنح سنوياً للمبدعين من الكتاب والأدباء والفنانين في مصر، فلم يمر عام دون احتجاجات وانتقادات للمؤسسة الثقافية المانحة، وعلى رأسها وزير الثقافة كأول المتهمين بالمجاملة والمحسوبية وتسييس الجائزة، بحيث لا يحصل عليها غير المرضي عنهم فقط لا غير، والغريب أن هذا الربط السياسي بين الجائزة والحاصلين عليها وشروطها غير المعلنة، شمل كل المراحل وكل العصور، ولم يستثنى منه أحد من الوزراء أو الأمراء أو الخفراء، فالكل أمام الاتهام التاريخي سواء.
ولا يخص الاتهام الجوائز فقط، بل ينسحب الأمر نفسه على منح التفرغ، فهواجس الشك في موضوعية الاستحقاق وأسباب القبول والرفض قائمة لدى غالبية المثقفين المصريين، ولا يستثنى منها سوى أولئك الحاصلين عليها، ويرجع ذلك إلى توافر أسباب الشك ومعطياته، التي تتمثل في تثبيت بعض الأسماء والشخصيات كعناصر مستحقة للمنحة المجانية، التي تصل إلى نحو ثلاثة آلاف جنيه وتزيد، لمدة قد تتجاوز في بعض الأحيان الخمس سنوات، بالمخالفة للوائح والقوانين التي تقضي على حد علمنا بأن لا تزيد مدة الحصول على المنحة ثلاث سنوات، ومع ذلك يستمر التساهل وتمتد الفترة إلى ما شاء الله، وفق الهوى والغرض واعتبارات أخرى لا صلة لها بالإبداع أو المبدع.
نأتي إلى الجوائز العالمية الكبرى ودواعي التشكيك فيها، فعلى سبيل المثال نلحظ هجوماً ما على جائزة نوبل، وربطها قسراً بالحالة السياسية بافتراض أنها جائزة يتحكم فيها ويقرها اللوبي اليهودي، ومن ثم فهي ليست خارج دائرة الشك، بل لعلها الأكثر ارتباطاً بهذا اللغو، وقد رأينا كيف هوجم الكاتب الروائي نجيب محفوظ إبان حصوله عليها، ولاحقته الظنون والطعون لفترة غير قصيرة، إلى أن هدأت العاصفة واستقر اليقين في الأذهان، بأنه جدير بها كأديب متميز وروائي مهم بعيداً عن أي شبهات.
ولم تكن نوبل وحدها الجائزة المحاصرة بالشكوك، وإنما دخلت جائزة الأوسكار الأمريكية الدائرة نفسها وأحاطت بها الشبهات من كل صوب، وهي الجائزة السينمائية الأكبر والأشهر والأهم، ولكونها أمريكية فقد طاردتها لعنة العنصرية والتمييز، وتم الاستدلال على ذلك ببراهين وقرائن عديدة، وربما من بينها وأقواها أنها الجائزة التي لم تمنح لفيلم أو ممثل أو مخرج أو سيناريست أو مصور أو موسيقي عربي، ولو فرض أنه حدث ففي سياق استثنائي شديد الخصوصية والتعقيد، ولا يمثل القاعدة الأساسية للجائزة الكبرى، ولهذا تكون فرص الحصول عليها أقل بكثير لدى المبدعين العرب من نظرائهم في معظم دول العالم.
وتمثل هذه الإشكالية الكبرى حالة من فقدان الثقة في موضوعية الحكم على الأعمال الفنية والإبداعية، وتجعل الظن الأقرب دائماً هو التعالي والكيل بألف مكيال طالما دخل المنافس العربي طرفاً في الرهان.
الظاهرة بتسلسلها الإقليمي والمحلي تستحق الدراسة، سواء كانت وهماً أو حقيقة، لأنها في النهاية تعكس وجهات نظر المجتمعات والأفراد وتؤكد أشياء أو تنفيها.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى