مسرحية «هن» … خمس نسوة سوريات يروين مأساة الأبناء

سوزان المحمود

يحاول الفنانون السوريون في دمشق الاستمرار على رغم الحرب والحصار والظروف الصعبة التي يعيشونها. وعلى خشبة مسرح القباني في دمشق يبدو العرض المسرحي «هُنَّ» للكاتبة والمخرجة آنا عكاش محملاً بالآثار التي تركتها الحرب على النساء. تقول آنا في كلمة على ملصق المسرحية وعلى لسان شخصياتها داخل العرض: «الحرب بتغير مفاهيم كتيرة وبتكشف أشياء مخباية جواتنا ما كنا منعرف إنو موجودة فينا، وبيجوز منعرف، بس ما بدنا نشوف. بس طلعت هيك الحرب مراية كبيرة أصفى من الميّ».
يبدأ العرض بترتيل نسوي للفاتحة، خمس نسوة يرتدين لباس الحدا، فالبلاد في مأتم جماعي كبير، بدأت بإعلانه ترتيلاً إحداهن وأصغرهن سناً ثم بدأن جميعهن بالترتيل معها ثم بترتيل آية أخرى من القرآن كالآيات التي ترتلها عادة النساء الدمشقيات عن روح الميت والتي تدعى «الصمديات» في مجالس العزاء، فجميعهن مفجوعات بأزواج وأبناء وآباء وإخوة، وأعمام، وعشاق وغيرهم. ثم يبدأن بسرد القصص عن أبنائهن الذين كانوا إخوة يلعبون في الحارات نفسها ويأكلون معاً ويدرسون معاً ثم كيف تحولت فجأة اللعبة البريئة بالأسلحة البلاستيكية إلى لعبة وحشية قتل فيها بعضهم بعضاً. تقول إحدى الشخصيات: «من رمى الأسلحة الحقيقية بين أيديهم»؟ وفي معنى آخر من لوث البراءة في قلوبهم وجعلهم قتلة؟ لم تصدق الأمهات أن أيدي أبنائهن يمكن أن تحمل أسلحة حقيقية وتقتل.
الشخصيات النسائية الخمس اللواتي يقتصر عليهن العرض ينتمين إلى ثلاثة أجيال، السيدتان الكبيرتان تمثلان الأمهات، وتسردان قصصاً عن أبنائهما وتبدوان أنهما تمثلان طرفين مختلفين تصارع أبناؤهما فقتل بعضهم بعضاَ. وجعلت إحدى الأمهات ابنها الآخر يصبح لاجئاً لتنقذه من حمام الدم، هذه الأم التي صرخت: «واحد لي وواحد لك يا وطن»، وشخصية سيدة في متوسط العمر تتحدث عن الحب وعن عشاقها وعن قاسيون الجبل الشهير الذي يطل على دمشق والذي يلتقي فيه العشاق ليستمتعوا بجمال إطلالة مدينة دمشق من على كتفه. وكذلك عن أملها بأن تصبح ذات يوم أماً هي التي اضطرت في إحدى مراحل حياتها إلى إجهاض نفسها لكي لا تنجب طفلاً بلا أب في مجتمع يهين الأمهات العازبات فوأدت أمومتها باكراً، لكنها لا تزال تأمل بأن تجد زوجاً حبيباً يقدرها وتنجب منه طفلاً. الشخصيتان الأخيرتان الأصغر سناً من الجميع، الصبيتان اللتان تمثلان الجيل الذي فتح عيونه على الحرب والذي عاش الكارثة بكل تفاصيلها من الموت تحت القذائف إلى الموت على جبهات القتال المختلفة. هكذا أصبحت الفتيات اليافعات كهلات بسبب الحزن وفقدان أحبة، والأصعب من كل شيء، فقدان الأمل بحياة آمنة ومستقبل إنساني طبيعي، وبالحب وبوجود أحبة قادمين. فمعظم الشباب يقتلون في هذه الحرب على مختلف الجبهات. وهنا تستحضر الكاتبة- المخرجة آنا قصة قتل الإخوة وندمهم على القتل من خلال سرد قصة الأخوين قابيل وهابيل وأسقطتها على الواقع المعاصر.
لم يكن مطلوباً يوماً من المسرح مسرحة الواقع، بل كان المطلوب دائماً خلق عالم موازٍ يعيد تشكيل الواقع وهو ما لم تستطع آنا القيام به. قدمت خمس شخصيات واقعية تماماً يسردن القصص التي تحدث كل يوم وفي كل بيت سوري. أصوات متعددة لم يحدث أحياناً بينها هارمونيا خاصة عندما كانت الشخصيات تكرر معاً عبارة واحدة مباشرة تحاول من خلالها التأثير في الجمهور في شكل مباشر وغير مبرر.
بدأ العرض بصرياً بعرض صور ألبومات عائلية يفترض أنها تخص عائلات الشخصيات، صوراً تعطي بعداً ماضياً من زمن آخر مختلف وسعيد، زمن ما قبل الحرب الذي يفترض أنه كان آمناً، على خمس قطع قماش مؤطرة استخدمت كشاشات وكأدوات عرض وكشباك اعتراف أحياناً. وهي مع الكراسي الخمسة والدفوف الخمسة كل أدوات الديكور في المسرحية، وقامت الممثلات بتحريك قطع الديكور جميعها أثناء الأداء، مع الموسيقى والإضاءة. يمكن القول إن العمل مقبول وكان بإمكانه أن يكون أفضل وأقل مباشرة وأكثر هدوءاً وانسجاماً.
ومن المعروف أن وزارة الثقافة السورية تقدم عروضاً متقشفة جداً بسبب الموازنة الفقيرة المرصودة للأعمال الفنية والرصيد المالي الذي يصل إلى أيدي الفنانين من مسرحيين وسينمائيين، قليل جداً، مما يؤثر عادة في نوعية أو جودة الأعمال الفنية.
أما الممثلات فهن: إيمان عودة، إنعام الدبس، رشا الزغبي، لبابة صقر، جولييت خوري. النص والإخراج من توقيع آنا عكاش وهي ناقدة سينمائية سورية وكاتبة ومخرجة مسرحية. ولدت في موسكو- روسيا. حصلت على إجازة في اللغة الإنكليزية من جامعة البعث، 1995 وإجازة في الدراسات المسرحية، المعهد العالي للفنون المسرحية، دمشق 2000 وماجستير في العلوم الثقافية، تخصص مسرح وفنون العرض، من المعهد العالي للفن المسرحي، تونس 2011.
كتبت العديد من السيناريوات آخرها خماسية «إيقاع». ولها مجموعة قصصية بعنوان «الفرح». وترجمت العديد من الكتب منها «تاريخ الأزياء المسرحية»، و «معجزة عادية- نصوص مسرحية 1937-1956» للكاتب الروسي يفغيني شفارتس.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى