طه محمد علي في مختارات مصرية.. قراءة متأخرة

-محمود عاطف-

 

ليس الأمر بمستغرب حين تدمغ نبرة الأسى والأسف مقدمة الشاعر المصري محمود خير الله لمختارات من قصائد الشاعر الفلسطيني طه محمد علي (1931 – 2011)، ذلك أن سيرة الشاعر الفلسطيني وأعماله، المجهولة في محيطها العربي الأوسع، بل ربما المجهّلة، وجدت طريق ذيوعها غرباً، حتى أنه برحيله عام 2011 كانت أشعاره قد ترجمت إلى الإنكليزية والفرنسية وعُرف عالمياً، قبل أن تُعرف تجربته عربياً خارج محيطه الفلسطيني المحلّي.

المختارات التي صدرت مؤخرًا عن “الهيئة المصرية العامة للكتاب”، تضم قصائد من مجموع دواوين الشاعر الخمسة، والتي هي تباعاً: القصيدة الرابعة وعشر قصائد أخرى (1983)، ضحك على ذقون القتلة (1989)، حريق في مقبرة الدير (1992)، إله، خليفة، وصبي فرشاتٍ ملوّنات (2002)، وأخيراً ديوانه (ليس إلا) (2006).

تدلّنا هذه القصائد على شاعر اختار أن يمضي بعيدًا، عما تم تقديمه طوال الوقت باعتباره الشعر الفلسطيني، بألف ولام التعريف، ذلك الذي لا يحيد عن شعرية  (محمولة على أكتاف القضية) بكلمات خير الله.

 

لا يعني هذا أن طه محمد علي، تخفّى وراء اللغة السلسة والمتوتّرة لـقصيدة النثر لينسى معاناته في أرضه، هو الذي ظل يعيش في الناصرة داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وقريباً من بلدته “صفّورية” التي جرفها الاحتلال، بل إن قصائده مشحونة بهذا الألم اليومي، لا عبر صراخ بلاغي أو موسيقى مستعارة من فخامة الكلمات، لكن من نبل قضية الحق في الوجود ذاتها، وبلا أي زخارف من خارجها، هو الذي بكل بساطة وفزع “يحيا قضيةً خاسرة/ حالته/ ميئوس منها/ وحقّه ذرة ملحٍ/ سقطت في المحيط”.

والمتناثر من سيرة طه محمد علي لا يخلو من العَجَب كما قصائده، ذلك أنه بدأ كتابة الشعر متأخرًا، ونشر أول دواوينه وهو في عمر الخمسين، والسؤال: هل يمكن أن تشير مثل هذه الملاحظات لقصيدة شيخ لم يتوفر على رقابة ذاتية بحكم العمر، فجاءت قصيدته منفلتة من النمط، بمقدار ابتعادها عن الاحتفاء النقدي؟ ذلك أن قصائد طه محمد علي كما تحمل من الأسى والمرارة والسخرية السوداء، تحمل كذلك سخرية هازئة ولاذعة، وربما لمزًا وغمزًا محبّبين أيضًا.

من ذلك ما يشير إليه خير الله في مقدمته بالقول :يلخص طه موقفه ورؤيته للشاعر الجديد، ودوره وقضيته، في قصيدة (حداء… بقوافل غيوم المساء) ، ساخرًا من موقف الشاعر التقليدي، الذي يحظى بالشهرة والذيوع والانتشار، إذ يخاطبه قائلًا: (أنت من صحاري القصيد/ تختصر القبيلة!/ أنت من بوادي رثاء الفخر/ في غزل المطايا/ تغنّي المدح/ وتُنشد الغناء”، طالباً منه أن يرأف به ويرثي لحاله: “سيدي الشاعر/ كيف انقادت لك رياح التفاؤل/ وأين وقعت على كل هذا الفرح/ ليتني حارسٌ/ يا سيدي/ في حدائق بهجتك)!

 

(العربي الجديد)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى