أزياء فلسطين تكشف موروثها… ومأساتها

محمد موسى

عندما وصلت عارضة الأزياء الأميركية السابقة والمقدمة التلفزيونية هيلي غيتس إلى مدينة رام الله الفلسطينية، وجدت أن أسبوع الموضة الذي حضرت لأجل تسجيل وقائعه وكواليسه ألغي لأسباب تتعلق بالشخص المسؤول عن تنظيم هذه التظاهرة «الفتيّة». لكنّ هذا لم يمنعها من أن تواصل رحلتها التلفزيونية داخل الضفة الغربية والقدس، بل انها وصلت الى مدينة غزة نفسها، لتقدم يومياتها هناك في حلقة خاصة من برنامجها «ستيس اوف اندريس»، الذي يُعرض على القناة التلفزيونية الجريئة «فايسلاند».
ينطلق البرنامج التلفزيوني من رغبة في اكتشاف صناعة الأزياء والموضة في دول لا يُعرف عنها التميّز في هذا المجال، بيد أن البرنامج لا ينشغل فقط بعوالم الأزياء، بل يحقق في قضايا المرأة في المناطق التي يزورها، ويركز أحياناً على الأوضاع السياسية والاجتماعية العامة. وهكذا كان الحال مع حلقة فلسطين، خيّم الوضع السياسي القاتم على جوّ البرنامج، ولاسيما في القسم الخاص بمدينة غزة، وأُجبر فريق الحلقة على المغادرة بعد توتر أمني في المدينة، والذي أدى بعدها الى غلق المدينة في وجه الزوار الأجانب فترة شهر كامل.
تبدأ الحلقة بتعريف قدمته المذيعة نفسها للوضع السياسي والأمني المعقد في الضفة الغربية، والذي له آثاره المباشرة في الحياة اليومية هناك. فسكان الضفة يحتاجون الى إذن خاص من اجل السفر الى القدس وغزة، وأهل غزة لا يُسمح لهم بمغادرة مدينتهم. اما القدس فهي مقسمة بين شرقية وغربية، والتنقل بينهما معقد هو ايضاً.
يختار البرنامج أن يسمي حلقته «فلسطين»، وهي التسمية التي ربما ستفتح عليه باب النقد كما وصفت المذيعة نفسها، اذ إن كلمة «فلسطين» مازالت تثير ردود أفعال قوية في بعض الأوساط الإعلامية الغربية.
تقابل غيتس مصممات أزياء فلسطينيات، منهن واحدة تركت الولايات المتحدة التي كانت مقيمة فيها وعادت الى بلادها، لأنها ترى العمل في الوطن هو نوع من مقاومة الاحتلال. كما يصل البرنامج الى مصممة فلسطينية أخرى من أهل القدس، ثم يرافقها البرنامج لبضعة أيام خلال تحضيرها لعرضٍ جديد رغبت صاحبته في أن يكون فلسطينياً بالكامل، من نوعية التصاميم الى الأقمشة، اضافة الى العاملين العرب فيه من سكان الأراضي المحتلة.
مرة أخرى، يخيم الوضع السياسي العام على عرض الأزياء ذاك، فبعض العاملين في تحضير الثياب لا يستطيع الحصول على إذن السفر الى القدس حيث يقام العرض. كما أن العثور على عارضات أزياء فلسطينيات ليس هيناً على الأطلاق، بسبب العادات الاجتماعية السائدة هناك. وعلى رغم أهمية الرحلة التسجيلية التي قام بها البرنامج للتعريف بصناعة الأزياء في فلسطين، الا أن اللحظات الأكثر تأثيراً فيه كانت من خارج هذه العوالم. فعندما قابلت المذيعة شاباً فلسطينياً يعيش على الحدود بين القدس الشرقية والغربية، اقتربت كثيراً من واحدة من مناطق الصراع الفلسطيني القاسية، ثمّ يشرح لها الشاب بلغة إنكليزية فصيحة أن الشبكة المعدنية التي تغطي سقف بيتهم العربي القديم جداً، هي لمنع سقوط الحجر الذي يلقيه المستوطنون هناك على بيوت الفلسطينيين من أجل الضغط عليهم ودفعهم الى المغادرة. ثم يأخذها الشاب نفسه الى نهاية شارع بيته، ويشير الى خط غير مرسوم يشكل حدود محطيه. أما تعدي ذلك الخط فيعرضه الى مشاكل واعتداءات جسدية من سلطات الاحتلال والمستوطنين على حد سواء.
ينسجم برنامج «ستيس اوف اندريس» مع الخط العام المتمرد لقناة «فايسلاند»، ذلك أنه لا يكتفي بتحقيق تقليدي، بل يبحث عن شخصيات لا تصل عادة الى الإعلام الواسع، ويمنحها الفرصة والوقت لتروي قصصها. وهذا ما فعله مع سائقتي سيارات السباق الفلسطينيات، او في بحثه في عالم بيع الملابس الداخلية النسائية في العالم العربي، والذي يمنح نافذة على القيم السائدة في المجتمع. تؤثر رحلة فلسطين في المذيعة الأميركية، القوية الشخصية، وتدفعها الى البكاء في مشهد مؤثر. فبعدما ودعت صبي القدس، وذهبت هي بحرية الى منطقة تُعدّ محرّمة على الشاب الذي ولد وعاش على وقع الصراع الأعقد في العالم، تكتشف بنفسها الثمن اليومي الذي يدفعه الفلسطينيون المدنيون.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى