تشكيل البورتريه المعاصر في تجربة المغربية نادية أورياشي

محمد البندوري

توظف الفنانة التشكيلية نادية أورياشي الشخصيات في أعمالها الفنية باعتبارها مادة متصلة بتصوراتها وهواجسها، تُشكلها في الفضاء وفق خاصيات تشكيلية، بشكل مدروس تراعي فيه مقاسات المادة الفنية، حيث تُوزعها في المساحة حسب الحاجة، بإضفاءات جمالية أساسها اللون والشكل.
وهو منحى سلكته لاعتبارات متنوعة، منها ما يفصح عن خلجاتها ولواعجها، ومنها ما ينبثق من تصوراتها بطريقة فنية مغايرة، وبسحر تشكيلي متعدد الرؤى والدلالات، وبعلامات لونية رائقة، وأشكال تعبيرية فصيحة، تتوقف على مناحي متعددة القراءات. فالتجربة التشكيلية للفنانة نادية أورياشي تنبني على تصورات ورؤى تعبيرية، تمتح مقوماتها من الانفعالات الداخلية، حيث تتبدى أعمالها وصفا يعبر عن معان ذهنية تعمد من خلالها إلى صنع شخصيات تعبيرية متنوعة الشكل والمضامين، تصيغها أحيانا في اللون الواحد، وتردفه بجنسه لتنسج منهما المادة التعبيرية أحيانا أخرى.
ثم تشكل منها مواد رمزية وعلاماتية مثقلة بالإيحاءات والدلالات، فتعمد إلى روابط علائقية تكثف بها المسلك الشخوصي، تتراءى بين كتل من الرموز والعلامات والخطوط الملتوية، فتشكل من خلال عملية البناء إنتاج توليف بين مختلف العناصر المكونة لأعمالها، وهي في الواقع تلجأ إلى تشخيص صور واضحة المعالم لتشكل من خلالها التتابعات الفنية في تحولاتها المرتبطة بالظواهر الفنية والتعبيرية، تنجزها وفق التقنيات العالية والمهارات الكبيرة والمؤهلات الفنية الرائقة التي تتوفر عليها، والتي تؤهلها إلى تثبيت الملامح المشخصة لفنية لائقة، وتمريرها من مختلف العمليات الإبداعية التي تقاربها بالمادة المرتبطة بالواقع الاجتماعي، وتقاربها أيضا بالتصورات والرؤى الفنية التي تتوفر عليها، حتى تبدو مشخصاتها في تفاعلات إيجابية مع القارئ، وتتبدى حابلة بالمعاني والدلالات.
فهي تحاكي الواقع الاجتماعي والفني والثقافي وتعبر عنه بشخصيات وأشكال صادقة في التعبير، تحمل في طيها مفاهيم ذات مغاز عميقة، ودلالات تشكل رسائل صريحة الى القارئ. وبذلك فإن الفنانة نادية اورياشي تتخطى ببراعة البورتريه المألوف إلى تشخيص فني يروم معاني الانسجام والفكر والثقافة والفن المعاصر، في تجاوز صريح لمجموعة من المفاهيم الشخوصية المستهلكة. لذلك فمنجزها التشكيلي المعاصر الذي يدخل في سياق مشروعها الذاتي، هو إنجاز متكامل البنية الفنية، ويحمل مضامين عميقة الدلالات. إنها تستنطق المشاعر بروح تواقة إلى بث الأفكار والتصورات الإيجابية بتحويلات فنية وجمالية. فتعدد الطرائق وتنوع الاستعمالات والأشكال الموتيفية والمتنوعة، وتوظيفها مع اللون بشكل جمالي، غالبا ما تتحول إلى سحر فني عميق الدلالة. وكلها مقومات البناء الشخوصي المتقن، المحمل بالإيحاءات والمغازي والدلالات التي تخرج المادة التشكيلية إلى حيز وجودي فني بملامح واقعية. وتلعب المهارة الكبيرة والتقنيات العالية دورا أساسيا في منح تجربتها دورا طلائعيا في التشكيل الشخوصي المعاصر، وتدبيره بإيجابية وفعالية تلامس التجديد بروح إنسانية. إنه أسلوبها الخاص في التعبير، ومشروعها الإبداعي المتميز في الساحة التشكيلية، الذي ينم عن مجهوداتها الكبيرة وتقنياتها الهائلة التي تتسع لتمنح الفن نوعا من الجمال والرقي. من خلال مفردات فنية ومواضيع اجتماعية وثقافية.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى