موسم المهرجانات السينمائية.. سبتمبر وأكتوبر شهرا الصورة والصوت

امير العمري

يعتبر مهرجان فينيسيا المهرجان التالي في أهميته بعد مهرجان كان، وقد نجح مديره الفني ألبرتو باربيرا منذ أن تولى منصبه قبل ست سنوات، في جعله بؤرة لاستقطاب الأفلام الأميركية الجديدة، خاصة الأفلام التي تذهب بعد عروضها العامة في الولايات المتحدة للترشح لجوائز الأوسكار، وأصبح المهرجان بالتالي يستقطب أكثر من غيره، الكثير من منتجي ونجوم السينما الأميركية.

رغم ذلك أصبح مهرجان فينيسيا وغيره من المهرجانات السينمائية تواجه مشكلة لم يكن لها وجود من قبل، فقد أصبحت شركات الإنتاج والتوزيع الأميركية تتردد كثيرا في إرسال بعض أفلامها الجديدة إلى المهرجانات، ويعود السبب إلى الارتفاع الهائل في نسبة الإقبال على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تمتلئ بالكثير من التعليقات السريعة عن الأفلام بمجرد مشاهدتها في عروضها الأولى بالمهرجانات، إلى جانب ما تنشره الكثير من المواقع المنتشرة على شبكة الإنترنت من استطلاعات رأي وتصويت على الأفلام، وترى الشركات أن كثرة الآراء الانطباعية السريعة السلبية قد تضر كثيرا بأفلامها في أسواق السينما، فهي من ناحية تؤدي إلى حرق قصص الأفلام، ومن جهة أخرى تؤدي إلى إحجام الكثيرين عن الإقبال عليها.

كان مدير مهرجان فينيسيا ونظيره مدير مهرجان تورنتو الذي يقام بالتقاطع مع المهرجان الأول، يأملان في الحصول على الفيلم الأميركي الجديد “الجاري على الحافة 2049” Blade Runner 2049 للمخرج الكندي دينيس فيلينيف، إلاّ أن هذا لم يحدث.، وقيل إن العمل لا يزال جاريا في إعداد موسيقى الفيلم، وإنه لن يصبح جاهزا في موعد إقامة المهرجانين، خاصة وأنهما كما أشرت يتقاطعان معا؛ فالأول، أي فينيسيا، يقام من 30 أغسطس الجاري إلى الـ9 من سبتمبر القادم، والثاني يقام في الفترة من 7 إلى 17 سبتمبر القادم.

 

وعادة ما يستقطب مهرجان تورنتو (رغم أنه لا ينظم مسابقة ولا يمنح جوائز شهيرة مثل فينيسيا) الكثير من الأفلام الأميركية الجديدة، فالشركات الأميركية تعتبره البوابة الرسمية إلى دائرة التوزيع في أميركا الشمالية، في حين يرغب مهرجان فينيسيا أن يصبح بوابة عبور الفيلم الأميركي إلى شبكات التوزيع في أوروبا بعد انتهاء موسم الصيف وبدء الموسم السينمائي الحقيقي في الخريف والشتاء وصولا إلى أعياد الميلاد ثم إلى ترشيحات الأوسكار.

زخم المهرجانات يتمثل في أن شهر سبتمبر وحده سيشهد إقامة 13 مهرجانا دوليا كبيرا بالإضافة إلى عشرات المهرجانات الأخرى الأقل أهمية، معظمها يقام في عدد من المدن الأميركية.

ومن المهرجانات الدولية التي تقام في سبتمبر مهرجان سان سباستيان في إسبانيا، ومهرجان بوسان في كوريا الجنوبية، ومهرجان هلسنكي الدولي في فنلندا، ومهرجان فانكوفر في كندا، ومهرجان كامدن للأفلام الوثائقية في الولايات المتحدة، ومهرجان أولدنبرغ في ألمانيا.

 

حول مهرجان الجونة

على الصعيد العربي تنطلق في 22 سبتمبر القادم وتستمر حتى الـ29 منه، الدورة الأولى من مهرجان الجونة السينمائي الدولي في منتجع الجونة على ساحل البحر الأحمر في مصر، المهرجان يرعاه ويموله الأخوان نجيب وسميح ساويرس وهما من أكبر رجال الأعمال في مصر ثروة وثراء ونفوذا.

ويدير المهرجان انتشال التميمي الذي يتمتع بخبرة جيدة اكتسبها من عمله لسنوات في مهرجان أبوظبي السينمائي، كما يمتلك شبكة علاقات دولية جيدة بحكم عمله في صندوق الدعم “سند” في أبوظبي، إلى جانب ما يتمتع به من ثقة واحترام من جانب الجميع، لكن انتشال التميمي عراقي، وهو بالتالي أول مدير غير مصري لمهرجان سينمائي يقام في مصر، تفوح منه أيضا “رائحة المال”.

ولا شك أن هذه النقطة تعد من النقاط شديدة الحساسية لدى الوسط السينمائي والإعلامي في مصر، ويمكن أن تثير الكثير من الزوابع والاحتجاجات والاعتراضات من جانب كثيرين، خاصة في حالة وقوع ما يعتبره هؤلاء أخطاء أو تجاوزات، ففي ظل الأجواء المشحونة في الإعلام المصري وحالة التربص القائمة، أصبح الكثيرون على استعداد لتلقف أي خطأ صغير هنا أو هناك، واستخدامه لتصفية حسابات شخصية، أو تنفيسا عن الشعور بالغيرة والرغبة في التشويش والتشويه، خاصة وأن من يرأس المهرجان عمليا هو المهندس الملياردير المثير للجدل، نجيب ساويرس.

المهرجان حسب المعلومات القليلة المتوفرة سيبدأ صغيرا بما لا يتجاوز ستين فيلما من جميع الأنواع: الطويلة والقصيرة، العربية والأجنبية، التسجيلية والروائية، وسينظم ثلاث مسابقات دولية للأفلام الروائية والتسجيلية والقصيرة كما يعرض عددا من الأفلام خارج المسابقات.

وأعلن المهرجان تخصيص 200 ألف دولار قيمة الجوائز التي سيمنحها للأفلام الفائزة، بما في ذلك مبلغ 20 ألف دولار الذي سيحصل عليه أفضل مشروع مقدم لما أطلق عليه “منصة الجونة السينمائية” من بين مشاريع الأفلام التي تسعى للحصول على دعم، وهي تجربة تعد اقتباسا على نحو أكثر تواضعا، لتجربة صندوق الدعم “سند” في مهرجان أبوظبي.

والقيمة المالية الكلية للجوائز تتجاوز ما منحه ويمنحه أي مهرجان سينمائي مصري، ويصل المبلغ بالعملة المحلية بسعرها الحالي (بعد التعويم) إلى ما يقرب من أربعة ملايين جنيه.

 

تساؤلات عن الهدف

ليس معروفا تماما الهدف من مهرجان الجونة وإلى من يتوجه من الجمهور، خاصة وأن الجونة منتجع سياحي صغير لا يقيم فيه عدد كبير من السكان، بل مجموعات من السياح الراغبين في الاستمتاع بالشمس والبحر، وليس مثل مدينة القاهرة التي رغم سكانها العشرين مليونا، فشل مهرجانها الدولي “الكبير” خلال أكثر من عشرين عاما في جذب الجمهور إلى قاعات العروض السينمائية.

صحيح أن إقامة المهرجان في منتجع الجونة يكفل الابتعاد عن ضجيج العاصمة وزحام المدن الكبيرة بوجه عام، كما يحاكي مهرجانات أوروبية ناجحة مثل كان وفينيسيا وكارلوفيفاري التي تقام في منتجعات سياحية وليس في مدن كبيرة، إلاّ أن “الجونة” يفتقد إلى ما تتمتع به هذه المهرجانات، فهي ترتكز أولا على وجود صناعة سينمائية ضخمة في البلدان التي تقام فيها، ولكن أساسا، على وجود سوق توزيع كبيرة متعددة الشبكات تكفل أن يجد الفيلم طريقه بعد عرضه في المهرجان إلى الشاشات الأوروبية.

ومن ذلك أن جمهور مهرجان كان، الذي يصل إلى نحو سبعين ألف شخص، يأتي خصيصا للمهرجان من خارج المدينة وليس من سكانها، ومعظمه من الموزعين والمنتجين والسينمائيين والنقاد والصحافيين والإعلاميين وطلاب الفنون والسينما.. إلخ، وهؤلاء لن تأتي منهم أعداد كبيرة إلى الجونة بحكم غياب سوق حقيقية لتوزيع الأفلام الأجنبية غير التقليدية في مصر، كما يخشى الكثير من الموزعين بمن فيهم العرب، عمليات القرصنة التي تشتهر بها السوق المصرية.

السؤال التالي هو: هل يمكن أن يتحرر مهرجان الجونة من سطوة التدخل المباشر من قبل أجهزة السلطة، كما يحدث في كل ما يقام في مصر من مهرجانات سينمائية وغير سينمائية بما في ذلك تلك التي لا تنظمها وزارة الثقافة؟

وعلى سبيل المثال هل ستغض الرقابة الطرف عما يعرض من أفلام في الجونة، أم ستتدخل كعادتها لاستبعاد ما ترى ضرورة استبعاده، أم سيصبح مدير الرقابة وهو شخصية تهيمن على مجمل النشاط السينمائي الرسمي في مصر تقريبا، عضوا بشكل غير رسمي، في التشكيلة المسؤولة عن تنظيم المهرجان؟ أم سيتمكن نجيب ساويرس من مواجهة الضغوط والتدخلات المباشرة ويدعو ويستقبل بحرية تامة من يشاء من السينمائيين بأفلامهم؟ أما إذا ما قيل إن الهدف الأساسي من المهرجان هو تنشيط السياحة، فهذا يمكن الرد عليه فقط بالقول بأنه لم يوجد مهرجان واحد أقيم في مصر ساهم في جذب السياح، ولا حتى من السياح المحليين داخل مصر نفسها، فالاهتمام بـ”السياحة السينمائية” معدوم أصلا حتى لو فتحت أبواب قاعات العرض بالمجان.

 

مهرجانات أكتوبر

يشهد شهر أكتوبر المقبل نحو ثلاثين مهرجانا دوليا أولها مهرجان لندن الدولي الذي ينظم دورته الـ61 في الفترة من 4 إلى 15 أكتوبر، وهو مهرجان كبير حافل ينظم ثلاث مسابقات غير معترف بها دوليا كونها تعرض أفلاما بينها ما سبق عرضه في مهرجانات أخرى، لكنه يشمل عادة سلة كبيرة من أهم ما ظهر في العالم خلال العام ومنها أهم ما عرض في مهرجان تورنتو وكان وفينيسيا وسان سباستيان وبرلين، ومع ذلك لديه دائما اكتشافاته الخاصة وأفلام “العرض الأول”.

وتقام مهرجانات أخرى في شيكاغو وروما وفيينا ونيويورك وأديليد وزيورخ، ومعظمها مهرجانات تعرض عشرات الأفلام دون أن تنظم مسابقات دولية أو تمنح جوائز معترفا بها دوليا، أي أنها تقع خارج نظام التصنيف الذي يحدده اتحاد منتجي السينما (الفياف) الذي يضع قواعد معروفة يجب الالتزام بها لكي يصبح المهرجان مصنفا من الفئة الأولى، أهمها أن يلتزم باختيار أفلام لمسابقاته لم يسبق عرضها في مسابقات دولية أخرى أو عروض عامة خارج بلدها. ولو كان يوسف وهبي على قيد الحياة، لربما قال لنا وهو يغمز بطرف عينه بطريقته المسرحية المميزة “وما الدنيا سوى مهرجانات سينما في سينما!”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى