جولة تلفزيونية في «معرض دمشق الدولي» … صورة الأوهام

ندى الأزهري

حين وقعت مصادفةً على منشور لأحد الأصدقاء على «فايسبوك» يبيّن جدولاً ببرامج المحطات التلفزيونية السورية لهذه الأيام، لم يكن ما ظننته خفة ظل وسوريالية من جانبه سوى تعبير عن واقع لا يمت إلى هذا أو ذاك بصلة. إنما قد نكون مخطئين في ما يتعلق بالسوريالية.
الدورة التاسعة والخمسون لمعرض دمشق الدولي بدأت في 17 آب (أغسطس) وانتهت أمس السبت. والمطّلع على جداول برامج التلفزيون السوري يلحظ أهمية المعرض على الأقل تلفزيونياً ودوره في تعبئة أوقات البث، وقد لا تخلو الملاحظة من دهشة وهو يتفرج على أحد هذه البرامج، وهي تحاول إيهامه بأجواء ظنها انتهت وعفا عليها الزمن بعد كل ما حصل. لكن ها هي «الحياة الطبيعية» تعود على أنقاض البلاد، وها هم الناس «ينتقلون بالشاحنات» لزيارة المعرض وها هي «ليالينا» ترجع، وفق إخبارية التلفزيون و «كل شيء تمام ولله الحمد».
ومن لا يحب الشاحنات ولا الحافلات المخصصة لجلب الناس للزيارة وللاستمتاع بالعافية، يمكنه الإحاطة بكل النشاطات وحتى غير النشاطات المتعلقة بالمعرض عبر متابعة شاشات التلفزيون السوري، لا سيما قناة «الدراما السورية» أو لعل اسمها «سورية دراما»، التي ما أن ينتهي عرض برنامج عن المعرض حتى يلحق به آخر ليستدرك ما فات البرنامج السابق الإحاطة به… كل مرة مع عنوان جديد وإن كان المضمون واحداً. وها هو عنوان أغنية جميلة لفيروز يحطّ على برنامج للقناة إياها، فتنطلق الأشجان مع «مرّ بي»، والكاميرا تجول في المعرض على وقع الأغنية محركة ذكريات مرور صاحبتها الدائم هناك أيام «العزّ».
أما البرنامج الحامل لعنوان أغنية فهد بلان «واشرح لها» فهو ليس هنا لشرح «عن حالاتي» (كما تقول الأغنية)، بل ليخبرنا كيف على دمشق أن تكون. «كوني دمشق فلا يعبرون، كوني دمشق وانتصري، وكوني دمشق كما كنتِ دائماً»، كما تأمر المذيعة بلهجة حماسة وخطابة يتميز بها عادة مذيعو التلفزيونات السورية. ولكن تعبير «كما كنتِ دائماً «بقي من دون شرح وتفسير لمن قد يصيبه الفضول ويتساءل عن المقصود وكيف يجب على دمشق أن تبقى، وفضلت المذيعة الاكتفاء بأسئلة أكثر أهمية وعمقاً وجهتها إلى بعض من التقتهم من نوع «شفت المعرض؟» (لماذا هم هناك إذاً؟!) و «عجبك المعرض؟» (هل يمكن أحداً أن يتخيل أحداً في التلفزيون السوري يبدي عدم إعجابه بمنجزات حكومته وتلفزيوناتها؟).
بالطبع لم يغب أيضاً «نبض الناس» عن معدّي البرامج، فخصص برنامج لقياس نبض زوار معرض دمشق الدولي، أما نبض سورية التي تنبض بالحياة» (ماذا عن كل هؤلاء القتلى والنازحين والمعتقلين والمفقودين؟)، فقد كان في برنامج اختير له عنوان بسيط ومعبر «معرض دمشق الدولي». وكان ثمة برنامج عبارة عن مجرد تقارير يومية من المعرض، وآخر «زيارة إلى المعرض»، وثالث «على مسرح المعرض»، ومعلومات لا بد منها لمن لا يعرف شيئاً عن المعرض في «معرض دمشق صور وأرقام»، وثمة «مسابقة المعرض» و… لم تُنس الأسرة السورية في خضم المعرض فها هي ممثلة في «المعرض والأسرة السورية».
عن أي معرض وأي بلد وأي أُسر يتحدثون؟!

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى