حجي جابر: إريتريون كثر يحنّون إلى فترة الاستعمار

نضال ممدوح

وصلت رواية «لعبة المغزل» للروائي الإريتري حجي جابر إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد (فرع الآداب) في دورتها الحادية عشرة، وهو أصدر قبلها رواية «سمراويت» التي نالت جائزة الشارقة 2012، ورواية «مرسى فاطمة». حجي جابر (1976) مِن مواليد مدينة مصوع، على الساحل الغربي للبحر الأحمر، ونشأ في مدينة جدة السعودية. عمل لسنوات عدة في الصحافة السعودية، وكان مراسلاً للتلفزيون الألماني دويتشه فيله DW، قبل أن يلتحق بقناة «الجزيرة» ليعمل في غرفة الأخبار.
> في روايتك «لعبة المغزل» نسجت خدعة سردية وقف أمامها المتلقي حائراً. هل قصدت ذلك أم أنه جاء متسقاً مع طبيعة شخوص الرواية وأحداثها؟
– لعبة «المغزل» مبنية على تلك الخدعة. كانت الأساس الذي بنيت عليه الحكاية والشخصيات، فقد بدأتُ بكتابة نهاية الرواية أولاً ثم شرعتُ في النص في شكله الطبيعي. هذا الأمر لم يحدث معي من قبل، وقد جربتُ كيف تبدو الكتابة مع وضوح الوجهة، وهذا ربما أتاح لي التلاعب بالأحداث بطريقة مرنة. عادة في أعمالي السابقة كانت النهاية ضبابية ومتروكة لوقتها. هنا تغيَّر الوضع وليته يستمر معي هكذا دائماً.
> إلى أي مدى يتشابه ما فعلته بطلة روايتك «لعبة المغزل» مع أفعال السلطة من تزييف للتاريخ؟
– لستُ متيقناً إن كانت هي وحدها مَن فعلَ ذلك. النص لا يخبرنا إن كانت الفتاة من قامت بالتزوير أم الرئيس أم الطبيب أم الجدة. النص يأتي بكل ذلك كاحتمالات ممكنة وبنسب متساوية بالمناسبة. لكن، أياً يكن الفاعل فالتزييف حصل ويحصل وإمكانية حصوله تزداد مع ازدياد مساحة سلطة الفرد أو الجماعة. المواطن العادي يفعل ذلك والدولة تفعل ذلك، وهناك تواطؤ أحياناً على تقبل ذلك الزيف والتعايش معه. هذا جانب مما أرادتْ الرواية قوله برأيي.
> كيف جمعت بطلة «لعبة المغزل» بين دراستها وعشقها للفن. وبين قبح روحها حتى أنها شوَّهت امرأة أخرى ميتة وزيَّفت حياتها؟
– هل قامتْ بهذا الأمر بالفعل؟ الرواية لا تجزم بذلك، هي مجدداً تقدم ذلك كاحتمال وارد الحدوث. لكن إن صحَّ ذلك، ففهمي للأمر هو أن الفن يهذّب الإنسان ويجعله يسمو بطباعه لكنه لا يقدم الضمانة على ذلك. هذا لا يعيب الفن بقدر ما يعني أن بعضنا يملك مناعة ضد التغيير الذي يأتي به الفن على عظمته وتأثيره.
> حدثنا عن الأدب في إريتريا وأهم الكتاب؟
– الأدب في إريتريا مرَّ بمرحلتين، الأولى رافقتْ النضال ومعركة البحث عن الاستقلال والتي استمرت لثلاثين عاماً انتهت العام 1990، وتميَّزت بتقديم الأدب الثوري الذي يتغنى بالقتال والاستشهاد من أجل الأرض وكرامة الإنسان. أما المرحلة الثانية والتي نعيشها الآن فهي تمثل حالة التعبير عن الخيبة التي أصابت الإريتريين من فشل نتائج الاستقلال عبر دولة لم تحقق شيئاً من طموحاتهم في العزة والكرامة الإنسانية. كانت وبالاً عليهم، ما جعلهم يعاودون الهجرة في أصقاع الأرض، حتى باتوا يشكلون النسبة الأكبر مِمَن تتغذى عليهم أسماك البحر المتوسط في الطريق إلى جنة أوروبا. على مستوى الأسماء، هناك محمد سعيد ناود، باعتباره أول روائي إريتري وهو سياسي وقائد عظيم، وهناك من الشعراء كجراي وأحمد سعد ومحمد مدني. هؤلاء جميعاً يكتبون بعربية جميلة.
> أصدرتَ ثلاث روايات، «سمراويت. مرسي فاطمة، لعبة المغزل»، فهل فكرتَ في خوض تجربة كتابة القصة القصيرة خصوصاً أنك تميل إلى التكثيف؟
– أحب القصة القصيرة وأحافظ على وتيرة معقولة في قراءتها وأتمنى أن يأتي اليوم الذي أستطيع إصدار مجموعة قصصية. لكن الإشكال يكمن في أن القصة القصيرة أكثر صعوبة وتعقيداً مِن الرواية. هي الطلقة الوحيدة التي يجب أن تصيب الهدف من المرة الأولى وفق تعريف التشيلية إيزابيل الليندي. ما يزيد الأمر صعوبة عندي أني أحاول توظيف الأفكار التي تصلح كقصص قصيرة ضمن أعمالي الروائية، فكل نص روائي يمكن أن يكون مجموعة من القصص القصيرة بطريقة أو بأخرى.
> في «لعبة المغزل»، كانت الجِدَة تحرض حفيدتها على غزل حكايتها الخاصة. من أين ينسج حجي جابر حكاياته؟
– من وعيي بالحكايات كحال كثير من الروائيين. بالاحتكاك المباشر والدائم بالجدات. جدتي حليمة كانت مصدراً غنياً ودائماً لفضيلة الحكي. نشأت أستمع لها ولطريقتها البديعة في تحويل العادي إلى حدائق دهشة ممتدة. ولا أزال أنهل من ذلك الرصيد وسأستمر ولا شك. حضرت جدتي حليمة في «سمراويت»، وحضرت بكثافة في «مرسى فاطمة»، وحين كنت أكتب «لعبة المغزل» توفيت، فأهديت لها العمل. حضورها في أعمالي لا يأتي عن وعي، فأجدني منقاد لشيء يخصها بطريقة أو بأخرى.
> في «مرسى فاطمة» أشرتَ إلى أن الشارع الذي تحمل الرواية اسمه يبدأ بكنيسة «إندا ماريام». وتنتهي تفرعاته عند جامع الخلفاء الراشدين، وقد بناه الإيطاليون بأموال تاجر يمني استوطن أسمرا. ويذكر أن مرسى فاطمة يمثل وطناً رحباً لكل سكانه. هل ما زالت تلك الأجواء المنفتحة موجودة في المجتمع الإريتري. أم طرأت عليه تغيرات ولم يعد كما كان في السابق؟
– كل شيء جميل في إريتريا زال أو في طريقه إلى الزوال. يعيش الإريتريون حالياً خيبة أمل كبيرة جراء مخرجات الاستقلال التي جاءت على عكس التوقعات والآمال. الأنظمة الفاسدة المستبدة لا ينحصر ضررها في الاقتصاد وحقوق الإنسان بل تفسد حتى أخلاق الناس. لا يعود الفرد كما كان، تتغيَّر الطباع والأمزجة وتفسد. يبحث كل شخص عن منجاته الشخصية فتختفي رحابة الأرواح وعلوها الأخلاقي. هذا للأسف يحدث في كل بلد تسلَّط عليه حكَّامٌ مستبدون.
> هل ما زالت آثار الاحتلال الإيطالي قائمة في المجتمع الإريتري؟
– ما زالت موجودة، وللمفارقة هي أجمل ما في إريتريا بالمقارنة بما صنعه النظام، أو بما خرَّبه بالأحرى. أجمل الشوارع والميادين والتماثيل في البلاد هي ما تبقى من فترة الإيطاليين. يبدو الأمر غريباً، لكن الإيطاليين أحبوا أسمرا وكانوا يطلقون عليها «روما الصغرى»، وجلبوا لها أحدث تصاميم المعمار حينها وهو ما بقي شاهداً على تلك المرحلة. لن أذهب بعيداً إذا قلت إن كثيراً من الإريتريين يحنون إلى فترة الاستعمار!
> في «مرسى فاطمة» رصدتَ ظاهرة الإتجار بالبشر وبأعضائهم… إلى أي مدى تتغلغل تلك الظاهرة في إريتريا؟
– هذه إحدى المشكلات الكبرى في إريتريا. حالة انسداد الأفق التي يعيشها الشباب الإريتري جعلتهم يبحثون بأي طريقة عن الفرار من بلدهم. هذا الأمر حوَّلهم إلى مادة ثراء شهية لعصابات الإتجار بالبشر المتعاونة بطريقة أو بأخرى مع جنرالات نافذين وفق تقارير منظمات حقوقية عدة.
> التاريخ يكتبه المنتصرون، فلماذا لم تحاول بطلة «لعبة المغزل» تدوين الجانب الآخر من القصة. جانب المهزوم. حتى أنها تأنفت من أحد هؤلاء المهزومين عندما حاولت تتبع سيرتهم؟
– مجدداً، هذا جانب من الصورة. هي كانت مثل الآخرين تبحث عن نصرها الشخصي وسط طقس هزيمة كبير. في هذه الحالة لا يعود الفرد يبحث عن مبررات أخلاقية لأفعاله. هو يحاول النجاة فقط ولو على حساب غيره. إنه نوع من صراع القاع حيث لا تتحقق النجاة إلا بتحول آخرين إلى ضحايا.
> نالت روايتك «سمراويت» جائزة الشارقة للإبداع العربي. كما وصلت «لعبة المغزل» إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد. ماذا تمثل الجوائز لك. وهل سيأتي يوم وتكتب خصيصاً للفوز بجائزة ما؟
– وسائل تقدير الأدباء والاعتراف بهم في الوطن العربي محدودة وتكاد تنحصر في الجوائز، ولهذا يأخذ هذا الشكل من التقدير الاهتمام كله ويدفع البعض إلى فعل أي شيء مقابله. لو كانت لدينا وفرة في طرق تقدير الكتَّاب لعادت الجوائز إلى حجمها الطبيعي. في أماكن أخرى، يكفي أن يُكتب عن كتاب في أدبي فيسلَّط الضوء على صاحبه بكثافة، أو تقبل مكتبة عريقة إقامة حفلة توقيع له، ليكون ذلك سبباً لاصطفاف خلق كثيرين أمام طاولته، أو يناقش قسم الأدب في جامعة ما الكتاب نفسه، فيفتح ذلك أبواباً لا حصر لها من الانتشار. طالما بقيَ كل ذلك معطلاً، ستظل الجوائز هي الأهم، وهي الطريق الوحيدة للوصول، ومن أجل ذلك سنرى من يكتب لها ويعيش ينتظرها. أسعد بحصول أعمالي على جوائز لكني أتمنى ألا يتحوَّل ذلك إلى قيد أو شرط للكتابة. سأحاول ما استطعت أن أكتب ما أريد وما أحب بالدرجة الأولى، وليس ما تتطلبه الجوائز.
> إلى أي مدى تتشابه وبطل روايتك «سمراويت»، عمر؟
– كثيراً. ليس عمر فقط، بل وحتى سمراويت وسعيد وأحمد والفتاة والطبيب والجدة وبقية شخصيات أعمالي. كل الشخصيات تشبهني بطريقة أو بأخرى. حين أنحتُ شخصية ما يتسلل شيء مني إليها بوعي أو مِن دون وعيّ. الشخصيات في النهاية هي ما نحن عليه أو ما كنا أو ما نريد أن نكونه أو ما نكرهه حتى.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى