ستيف سابيلا يروي عن احتلال المخيلة في القدس

سعيد ابو معلا

يأتي برنامج «ثقافة»، الذي تقدمه الإعلامية ليانا صالح على فضائية «فرانس 24» (من الإثنين إلى الجمعة)، ليعوّض نقصاً واضحاً ومعيباً للموضوعات الثقافية على الشاشات العربية.
تغوص كلّ حلقة من البرنامج في حقل ثقافي معين، وفي موضوع إخباري فني أو ثقافي مستحق. وفي الحلقة السابقة، استضاف البرنامج الفنان البصري الفلسطيني/ المقدسي ستيف سابيلا (المقيم في برلين) ليتحدث عن معرضه الفني الأخير وعن مشروع يقوم على تحرير الذات من خلال تحرير المخيلة.
ومن خلال إيقاع سريع اعتمدته المقدمة في طرح الأسئلة، تحدث سابيلا عن مشاريعه الفنية وعن مواضيع ثقافية أخرى بينما ظهرت أعماله في الخلفية داخل الأستوديو. تطرّق الضيف إلى معضلة مرتبطة بالاحتلال في شكل عام وبالاحتلال الإسرائيلي للقدس في شكل خاص، معتبراً أنّ ثمة احتلالاً للمخيلة، وأنّ الفنان يلعب دوراً جوهرياً في العمل على مشاريع فنية تجعله ينحاز للعميق وللذاتي والأصيل في مواجهة الاحتلال عبر المقاومة بطرق فنية مبتكرة.
تعرفنا ليانا صالح على الفنان المقدسي سابيلا الذي لجأ إلى الكاميرا في عمر مبكر وكان مسكوناً بمسألة الهوية والانتماء، فيما دفعه بحثه الفني والفكري إلى طرح مسألة التحرر من منظور آخر، ألا وهو تحرير الذات من خلال تحرير المخيلة. وعبر الحلقة القصيرة زمنياً والغنية قيمةً، أوضح سابيلا أفكاره ورؤاه التي تغيب عن قطاع عريض جداً من الجمهور العربي والفلسطيني تحديداً. ومن هذه المشاريع التي يتحدث عنها «لعنة الفنان»، وفيه يحاول النظر عميقاً إلى التاريخ الفني والمقاومة من خلال كتاب نص/ بصري ينتج يومياً.
بدا الحديث مع سابيلا مهماً جداً، خصوصاً أنه ارتبط بمناسبة معرضه «38 يوماً من إعادة تجميع»، والذي نجد فيه خلاصة مشروعه الفني الذي انطلق عام 2013 بحيث قام أساساً باستئجار منزل سيطر عليه مستوطنون في القدس في منطقة «عين كارم»، وعمل في المنزل محققاً بصرياً صور كل ما يمكن تصويره في البيت. ومن ثم جمع بقايا الدهان الملون المتفسخ عن جدران منازل كثيرة في القدس بفعل الرطوبة وجمعها وطبع عليها الصور الرقمية للمنزل المحتل.
سابيلا المقيم اليوم في برلين، يفتخر بأنه ابن القدس، التي يراها «عاصمة خياله». لقد عاش فيها 32 عاماً ويقول: «اليوم أنا إنسان أعيش في الوطن والوطن في الرأس. وانا ابن البلدة القديمة في القدس». يتحدث بحنين جارف عن تلك المدينة التي أصبحت حاضرة في الإعلام العربي على ايقاع الأحداث الأخيرة التي كادت تفجر الوضع الفلسطيني برمته.
في 13 دقيقة يجول برنامج «ثقافة» في مناطق كثيرة داخل عقل سابيلا وتجربته الفنية، فتؤكد لنا الحلقة أنّ الموضوعات التي تظن الشاشات انها نخبوية ولا تهم المشاهد العادي، إنما هي موضوعات تهم عموم الناس وتمس حيواتهم المختلفة. وهنا تحديداً يظهر جدوى تقديم برامج تقدم للمشاهد أشياء مفيدة وتجعله أقرب إلى الفنانين والمثقفين الحقيقيين.
ومن الأمور التي طرحتها المذيعة على سابيلا سؤال عن غياب أعماله في معرض «تحيا القدس» الذي أطلقه أخيراً المتحف الفلسطيني في رام الله، فكان ردّه بأن هذا سؤال يطرح على القيمين على المعرض وليس الفنان، الذي يعتبر القدس ثيمة أساسية في مختلف أعماله.
حسنا فعل برنامج «ثقافة» باستضافة الفنان سابيلا للحديث معه حول مشروعه وعلاقته بالقدس، إنها انعطافه مهمة وغير تقليدية بدلاً من تكرار الحديث التقليدي عن القدس والإجراءات الاحتلالية فيها، هنا نرى أن الفنان هو المدخل للحديث عن مدينة تعتبر مركزاً للصراع السياسي وليس العكس.
يحسب للبرنامج ديكوره البسيط وألوانه الدافئة التي تبتعد كثيراً من تنميط الثقافة في البرامج العربية التقليدية، ولا بد من التنويه أخيراً إلى أمر مهم تفعله «فرانس 24» وهي أنها تجعل من نشرة الأخبار فرصة للتعريف ببرنامج «ثقافة» وضيوفه عبر إتاحة فقرة أخيرة في النشرة لتقديم الحلقة المقبلة منه.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى