‘حياة من ورق’ أول عرض مسرحي سوري بدمى الطاولة

نضال قوشحة

أسس خبراء أوروبيون سنة 1960 مسرح العرائس في وزارة الثقافة السورية، وكان أول مدير له فنان الشعب عبداللطيف فتحي الشهير بشخصية “أبوكلبشة” في مسلسلات دريد ونهاد مثل “صح النوم” وغيره، وهو ثاني فنان سوري يحترف المسرح في سوريا ويؤسس له، بعد أبوخليل القباني.

ولم يتقدم فن العرائس في سوريا كثيرا، وانزوى في ركن بعيد عن الاهتمام، حيث تعاقبت على إدارته والعمل فيه مجموعة من الطاقات الفنية التي لم تمكنها مبالغ التمويل التي قدمت لها من إنتاج مسرحيات هامة، رغم جهود بعض الفنانين الصادقة التي بقيت محافظة على إصرارها على تقديم أعمال في مسرح العرائس، رغم الفقر المالي الشديد وحالة عدم الاهتمام التي كان يعيشها.

من الجهود التي قدمت حديثا في مديرية المسارح والموسيقى، في وزارة الثقافة السورية، كانت الورشة التي تخصصت في تصنيع دمى الطاولة “ورشة تصنيع دمى الطاولة وتحريكها”، ثم تقديم عرض مسرحي للمشاركين.

وانطلقت الورشة بإشراف هنادة الصباغ، في 15 يوليو الماضي، واختتمت مؤخرا بتقديم عرض مسرحي في صالة القباني بقلب العاصمة دمشق، لمدة أربعة أيام متتالية.

وتقول المشرفة على أعمال الورشة، هنادة الصباغ، وهي التي سبق أن درست هذا الفن في روسيا “تقدم للورشة ثمانية عشر شخصا، ذكورا وإناثا، ومن فئات عمرية مختلفة، وجهات مهنية عديدة، قدمنا لهم معلومات عن كيفية تصنيع الدمى، أو العرائس المسرحية، ومن ثم الاعتماد عليها في تقديم عرض مسرحي متكامل، وهذا النوع من المسرح غير معروف في سوريا سابقا، وهذه الورشة وهذا العرض هما المؤسسان لدخوله إلى سوريا، كانت التجربة غريبة وصعبة في البداية، لكن الإصرار على متابعة الجهد ومحبته أوصلنا إلى إنجاح التجربة”.

وعن المساحة الجماهيرية التي يتوجه لها هذا المسرح، بحيث يمكن أن تشمل الكبار وليس الصغار فحسب، بينت هنادة “هذا المسرح ليس موجها للأطفال فقط، بل يمكن استثماره بتقديم عروض مسرحية للكبار، من خلال معالجات خاصة لبعض الأفكار، ومسرحية ‘حياة من ورق’ التي قدمناها مؤخرا موجهة للكبار والصغار معا، بمعنى مسرح العائلة، ودليل ذلك الجمهور الذي حضر المسرحية وتابعها باهتمام أيام عرضها، ولا يزال يتابعها، فالكثير منه كان من الكبار”.

وعن الجديد في هذا النوع من المسرح واختلافه عن الصيغ القديمة، تقول “هذا النوع من العمل المسرحي يتطلب حالة فيزيائية جديدة ومغايرة، وهي ظهور الممثل على الخشبة، وهو يحرك دمية، وغالبا مع ممثل آخر أو اثنين، فربما يحرك الدمية الواحدة ثلاثة ممثلين، وهذا يتطلب مهارات خاصة في تأمين انسيابية الحركة أمام الجمهور، وكذلك قدرة الممثل على فصل كامل إدراكه الواقعي في الصالة بعد التخفي عن أنظار الجمهور بواسطة الإضاءة، ثم تقديم إبداعه في تحريك الدمية حسب مقولات النص وبالحركة المصممة لها، إنها عملية غاية في الصعوبة والمتعة في آن واحد”.

وعن العلوم المسرحية التي قدمتها الورشة بينت المشرفة أنها “كانت في ناحيتين أساسيتين، الأولى تعنى بالناحية التقنية، أي الحركة والشكل، والثانية تعنى بتقديم أسلوب أداء مسرحي موضوعي مناسب لكل موضوع، بحيث يستطيع الممثل أن يؤدي أي مهمة في العرض”.

وتضيف الصباغ “لا بطولة فردية في دمى مسرح الطاولة، بل البطولة جماعية، والورشة تجمع بين شباب مسرح العرائس القدامى الذين لديهم خبرة في مسرح العرائس، وشباب جدد شغوفين بهذا العمل، ولديهم تجارب مسرحية ومنهم خرّيجو فنون جميلة وخرّيجو سينوغرافيا، وتقريبا عدد المشاركين في العمل يبلغ 18 شخصا”.

في نهاية الدورة، وبعد مرور الفترة الزمنية المخصصة لها، قدم المشاركون في الورشة عملا مسرحيا متكاملا، قاربت مدته نصف الساعة، لم يقدم فيها جديدا من حيث سردية الحكاية التي ظهرت، وهي قصة حب تنشأ بين شاب وفتاة، يقدم لها وردة الحب من خلال شباك بيتها، ثم زواجهما، فولادة طفل لهما، ثم دخوله لاحقا في عوالم الحب والصراعات التي يعاني منها في حياته، لكن عنصر الدهشة الكبير والجميل الذي وجد في العرض كان من خلال شكلانية العرض، واستخدام الدمى التي صنعها المشاركون في الورشة على امتداد زمنها.

وحظي “حياة من ورق” بمتابعة جماهيرية مكثفة لم يسبق لعرض مسرحي للعرائس أن حققها منذ ما يزيد عن ثلاثين عاما.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى