من “رسائل الغياب” ل “نادية نعامنة بنا”

-نادية نعامنة البنا-

 

أنت.. السفر في غياب له بداية بلا آخر، الرجوع إلى أول الكلمات، تحسس ملامح كل كلمة قلناها، إلقاء التحية على فناجين قهوة ومقاعد سمعت بعضًا من احاديثنا، على نادل لا يعرف وجهي إلا في مرآة عينيك، ألمح سؤاله الأخرس عنك في رجفة يده حين يضع فنجانك أمام كرسيك الفارغ..
حين أفتقدك الآن، لا أفتقد وجهك.. أفتقد خشونة ذقنك على كفي.. أفتقد صوتك، احاديث طويلة كنت سأقصّها عليك..
حين أفكر فيك، أتخيلك لا كما كنت، بل كما أعتقد أنك اصبحت. كيف لم نكبر معًا؟
حين ستجمعني بك الصدفة ذات يوم، هل سأراقبك من بعيد وأهمس لنفسي.. يااااه كم تغير؟؟ هل سأفتش عن وجهي في ألوانك وتجاعيد وجهك؟؟ هل سأعرفني في عينين مرّ عليهما ما مرّ من عمر بدوني؟؟
حين ألتقيك ذات طريق صدفة، هل ستلقي عليّ التحية من بعيد وتهمس لنفسك: كم كبرتِ!

 

***

 

حينما ضممتها إلى صدري, شعرت أنها تملؤني, إنها بحجم ذراعي تمامًا.. أهناك أحجام مختلفة للعناق؟ لا ادري..
حضنتها، رأسها فوق القلب، على الكتف..يداها في النقطة المناسبة على ظهري..رائحة شعرها..ملمسها..
كانت وكأنها الانسانه الوحيدة في العالم التي خُلقَت لأضمها إلى قلبي..
حين أخذتها إلى قلبي..خاطبَت انفاسها دقاته.. تركتهما يتحدثان.. بثا لبعضهما أحاديث لا أعرفها ولكنني شممت رائحة الياسمين حولي.. كانت لضمتها رائحة الياسمين ولوجودها فوق قلبي شكل موجة.. تقدمت ببطء، بخفة ..احتلت صدري.. جعلت من ذراعي سوارًا يطوقها..وأخذتني إلى عالمها المجهول، إلى السحر الذي لا يملكه غيرها.. سرقتني إلى عالم من ياسمين وأمواج بحر.. فردّت محارها أمامي،

وانكسر قلبي..

 

***

 

عن ماذا سأكتب؟
عن القصائد التي لاحقتها ليلًا ولاحقتني؟ عن أحاديث طويلة خضناها بصمت ولم يعلم بأمرها سوانا؟
عن إخفاقي في تفسير صمتك؟ عن غرقك في الغياب وتمزقي في الانتظار؟ عن عدد المرات التي ناديتك فيها ولم تجب؟
كم مرة ارسلتَ كلماتي وحيدة في البرد؟ لم تعطها معطفًا ولا رميت على كتفيها شالًا يدفيء ليلها الطويل..
أين اختلفنا يا صديقي، أين فرقتنا الدروب؟
في الخريف..حين تعرّت الاشجار أمامنا بلا خجل، عمدناها بدمعنا والأغاني..
في الشتاء.. طاردنا كل غيمة ماطرة، ضحكنا.. كم ضحكنا من بللنا، من شعرنا وثيابنا الملتصقة بأجسادنا.. شربنا نخب جنوننا
في الربيع.. حين تمطت الارض غنجًا فأهدتنا برقوقًا أحمر..
ثم جاء الصيف،
وتفرقت بنا السبل!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى