نقيق .. ل “زهير كريم الجبوري”

-زهير كريم الجبوري-

 

فجأة، ارتفع النقيق في الخارج، وفي صالة منزله، كان الأب منشغلا بسماع مقطوعته الموسيقية المفضلة، وأمامه صحن من الذرة المسلوقة التي يحبها، وكان يستمع باسترخاء، يهز رأسه أثناء ذلك ويمضغ حبات الذرة، حسنا لم يكن يهتم يوما لهذه العاطفة الجماهيرية التي لا تنسجم على الأغلب مع تقاليده الصوتية، لم يكن يتسلى بهذا التناقض العاطفي، ولم يكن يعتبر الأمر اختلافا في الجوهر بينه وبين الخارج، لكنه كان ينظر إلى الشيء الذي يخرج من حنجرته، بأنه فكرة، نعم فكرة اصلية وليس مجرد صوت مجاني، شيء يعبر عن الفردانية وشروط العقل، ولايجب أن يكون تعبيرًا عن الإستثارة المفاجئة. وفي الحقيقة، لم يكن رغم ذلك يمنه نفسه من المشاركة في أوقات كثيرة في احتفالات مشابهة، لكن الأمركان دائمًا مصدره الرغبة والقناعة، وأنه كان يعتمد على قاعدة للتلقي.

ثم تصاعد صوت النقيق على النحو الذي جعل صوت الموسيقى ينخفض وينسحب، ويصير مجرد خيال أو خلفية لحلم غير واضح . دخلت زوجة وقالت:”انه احتفال النقيق السنوي، دعنا نخرج ونشارك يارجل! لماذا تبدو وكأنك خارج العالم”؟

لكنه لم يجبها، ظل يأكل الذرة المسلوقة ويرفع كل لحظة صوت الموسيقى كما لو أنه يحاول مقاومة هذه العاطفة الشعبية التي تتصاعد في كل لحظة. خرج الأولاد مع أمهم وهم ينقون كالضفادع المراهقة، أغلقوا الباب خلفهم لكن صدى أصواتهم ظل يطوف بالمكان ويختلط بما تبقى من همس خجول كان ينبعث من اسطوانة الأب المفضلة، نهض بعصبية وأغلق الشبابيك وأسدل الستائر، ثم انخفض صوت النقيق لفترة وجيزة عاد خلالها ليأكل الذرة ويسمع الموسيقى، ثم تكسر زجاج النواقذ وانفتح الباب، دخل صوت النقيق كالعاصفة، سقطت مزهرية وأربعة لوحات، سقطت المكتبة الكبيرة أيضا وطارت الأوراق، انقلب صحن الذرة ولم يعد يستطيع بعدها السيطرة على هذا الرغوة الصابونية التي كان حجمها يكبر، ثم وجد نفسه وبشكل لا إرادي ينقّ، تدفعه العاصفة إلى الخارج، وبصوت خفيض أولًا، ثم شعر أنه من الممكن جدًا رفع مستوى النقيق حتى شعر أن حباله الصوتية سوف تتمزق: لايهم ،اشعر أني في أوج العاطفة، قال ذلك ثم وجد نفسه في الشارع ملتحمًا بالحشود، ومستمتعًا بالفعل بهذا الاحتفال السنوي!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى