معرض «قصاصات متآلفة» للمصرية نعمت الديواني : ألعاب الذاكرة وحكاياتها

محمد عبد الرحيم

يُقام حالياً في غاليري بيكاسو في القاهرة معرض تحت عنوان «قصاصات متآلفة» للفنانة نعمت الديواني، وتعد كل لوحة من اللوحات حكاية تسرد موقفاً أو حالة، لتشكل الأعمال في مجموعها حكاية طويلة تمتد من الطفولة وحتى الآن، ولا يبدو الزمن رغم تأثيره هو أساس الحكايات، بل فقط الشخصية (الطفلة/الفتاة/المرأة) وعلاقاتها المتشابكة والمعقدة، رغم بساطة المشاهد واللقطات المستوحاة من الذاكرة. ورغم تحايل الذاكرة في الحقيقة، إلا أنها هنا تبدو أكثر صدقاً وحساً مأساوياً، رغم التظاهر بالسعادة، وإن كانت فهي السخرية.
بداية من العنوان الدال «قصاصات متآلفة» الذي يمكن أن يدل على شذرات ــ على اعتبار تآلفها ــ من ذاكرة بعيدة، عالم الطفولة، وحكايات ولقطات للطفلة وأمها، وربما كل منهما تشخيصاً للحالة نفسها، بين ما هو كائن وما سيكون، هذه التحولات التي ستتحق في ما بعد بالضرورة، عالم الطفولة الحاضر الآن والبعيد في الوقت نفسه. ورغم حالة الفرح حيث الألوان المصاحبة وما شابه من الإيحاء بالحركة المستمرة، إلا أن هناك إيحاء أكثر وأقوى تأثيراً بحزن عميق، من حيث استمراره وتحققه لأقصى حد.

كولاج الذاكرة

يقترب الأمر أكثر من حالة التداعي، وهو ما يبرر وجود عدة حالات وتنويعات في اللوحات، من ألعاب الطفولة ــ طفلة ودميتها على سبيل المثال ــ حتى تحل الطفلة وهي امرأة مكان هذه الدُمية التي كانت تثير الفرح من قبل، حزينة هي الآن، وتنتظر طقوساً مألوفة للمحيطين بها، ورغم كونها مركز الاهتمام، إلا أن الجميع ينشغل بالطقس وإتمامه عن صاحبته، فوسط كل هذا الإيقاع الصاخب تصبح بطلة المشهد بعيدة ووحيدة، الوحدة نفسها تجسدها لوحة طفلة لم تزل الخدوش على ركبتيها حيّة من ألعاب الطفولة، ليبدو أيضاً الحزن على وجهها. فكرة كولاج الذاكرة هذا أسقط الترتيب الزمني المنطقي، من ماض ومستقبل ــ الحاضر لحظة وهمية ــ رغم أن الذاكرة تحيا من خلاله، فلنا أن نشهد العديد من الأزمنة في لقطة واحدة، ومن خلال تشخيص للكثير من الحالات.

الحصان والقطة والطائر

لا تبدو مخلوقات وكائنات الطبيعة هنا وفق رموزها التي تأسست عبر المخيلة التراثية، التي أصبحت كلاشيه يتناوله الفنان والناقد على حدٍ سواء، كحصان يرمز للذكورة، وقطة ترمز لعالم سحري بعيد، الكائنات هنا أصبحت ضمن عالم الألعاب الطفولية، حتى لو اعتلت الفتاة أو المرأة الحصان في النهاية، بعدما كان ضمن ألعابها الطفولية ــ الأمر دوماً يستمر هكذا، وكأنه إيقاع سردي خفي للحكاية، ما كان ضمن الألعاب في الماضي الطفولي البعيد، أصبح متجسدا الآن، وإن كان يحمل شيئا من البهجة في عالم المراهقة ويقين المراهنة، إلا أنه أصبح تجسيداً للأسى الدائم.

العشاق الخائبون

بنايات ونوافذ، حيث العديد من العوالم والحكايات وراء كل نافذة، نساء وحيدات، ولغط بعض الرجال، ويتوسط اللوحة عاشق يُناجي حبيبته ويحمل باقة زهور، العاشق هنا يرتدي جلباباً ويبدو أقرب شبهاً لحبيبته، عالم آخر منفصل تماماً عن صخب البناية وما يدور في داخلها، ويرد على هذه اللوحة تنويعة أخرى للعديد من العشاق، هنا يجلسون على الصخور، ورغم وجود الثنائيات المعهودة من رجل وامرأة، إلا أن الذي يتصدر اللوحة ــ كتلة وتكويناً ــ عاشق وحيد يتداخل على نفسه، ليصبح وجوده كنغمة خارجة عن حالة الجميع، هي التي تتأكد، وما الجميع إلا صدى لها في ما بعد ــ دائماً ما تحمل اللوحة، كما أسلفنا، فكرة الزمن، خاصة ما سيكون في النهاية ــ العاشق الوحيد هنا هو نفسه البهلوان والمُهرّج الواقف في عمق اللوحة، بينما تشيح عنه المرأة بوجهها للناحية الأخرى وتتركه يلهو بوحدته. هناك حس خفي بالانتقام، وإن كان انتقاما طفوليا أسقط الزمن وتقدم سنوات العمر، سخرية مما كان، واستهانة تبدو كابتسامة دائمة لن تكتمل.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى