مهرجان شرم الشيخ السينمائي… أثر فاضح لأزمات مسكوت عنها

كمال القاضي

تظل فوضى المهرجانات هي الظاهرة الأوضح في برامج الاحتفاليات والفعاليات الثقافية في القاهرة، والعنوان الأكثر إثارة على خريطة الأنشطة، فكل الحيثيات تؤكد اضطراب الحركة الفنية وفساد ذائقتها في هذا المضمار، حيث ما تموج به لا يسفر عن شيء غير الرداءة والإسفاف، وبعض من حيل الارتزاق الرخيص التي تهبط بمستوى الأداء العام للعملية الإبداعية في مجملها.
في الأيام القليلة الماضية انطلقت دورة جديدة من دورات مهرجان شرم الشيخ السينمائي السياحي «المبتسر» المدعوم رسمياً من وزارة الثقافة المصرية بمبلغ 240 مليون جنيه، خصصت للوفود المستضافة والأفلام المشاركة والجوائز والفنادق والإقامة والإعاشة، وغير ذلك من بنود البذخ والتبديد للمال العام، ومع بداية المهرجان وفي أعقاب حفل الافتتاح تبدت مظاهر الفشل الذريع والمريع فتسببت في حدوث فوضى وهرج ومرج بين المدعوين من الصحافيين والنجوم ومنظمي المهرجان، وأصل هذا الجو المزعج هو الفقر الفاضح في الخدمات والترتيبات، فلا أثر لوجود أي بروتوكولات في الحدث الفني الثقافي السياحي الدولي المهم.
الشكوى من عدم وجود غرف ملائمة في الفندق المقرر الإقامة فيه بدأت منذ اليوم الأول، إضافة إلى أن سوء آلات العرض في القاعات السينمائية وعدم جاهزيتها كان محل سخرية وتهكم من الحضور المصريين والأجانب، وقد تجرأ أحد الفنانين الشباب على نعت المهرجان والقائمين عليه بأوصاف غير لائقة، وسبهم علناً على الملأ، بالإضافة إلى أن إهمال الضيوف الأجانب وتركهم بدون رعاية أو عناية كان درساً قاسياً لهم، جراء قبولهم الدعوى بالحضور إلى المدينة الساحلية السياحية للمشاركة في الفعاليات، ما خلف صورة مسيئة للسينما المصرية وتاريخها عبر مئة عام ويزيد. أما السؤال الذي طرح نفسه وبقوة جراء هذه الفضيحة المدوية فجاء كالتالي، أين ذهب دعم وزارة الثقافة الذي يقترب من نصف مليون جنيه؟ ومن المسؤول بالتحديد عن توزيع ميزانية المهرجان وترشيدها على النحو الذي يفي بالغرض منها، كونها مرصودة بهدف ترويج السياحة على خلفية النشاط السينمائي المهم؟ وأين الإشراف الوزاري على النشاط؟ ليس سؤالاً واحداً مطروحاً للإجابة الفورية، وإنما هي عدة أسئلة يستوجب عدم الرد عليها إلى إجراءات قانونية حاسمة وقوية لمحاسبة المتسببين في الأزمة، التي لم تمثل مجرد خسارة عينية للمهرجان فحسب، وإنما بددت جهود مضنية بذلتها الدولة وما زالت تبذلها في مجال التنشيط السياحي والعناية بالعائد المرجو منه.
المشكلة في هذه القضية أنها ليست الأولى من نوعها، فقد حدثت تجاوزات كثيرة من قبل في مهرجانات مشابهه، وأشير إزاءها إلى ضرورة ضبط وإحكام السيطرة على مثل هذه الفعاليات الملفقة غير المجدية المسماة قسراً بالمهرجانات، وهي ليست أكثر من كرنفالات يعود نفعها على الداعين لها، ولا يتجاوز تأثيرها حدود قاعات عرض الأفلام رديئة التجهيز والإعداد، ولا يمكن أن تكون فوضوية تلك الصفقات الفنية خافيه على رعاة الثقافة وحماتها وداعميها فهم أعلم الناس بشعاب وزارتهم المعنية أو هكذا يجب أن يكونوا وإلا يصبح بقاؤهم في موقع القيادة عبئاً على الثقافة، إن لم يكونوا محيطين بكل كبيرة وصغيرة في ما يدور في الساحة الثقافية.
وبالنظر فقط لعناوين المهرجانات وأعدادها يمكن إدراك الأزمة ببساطة، إذ يوجد نحو عشر احتفاليات على الأقل تحمل اسم وطابع المهرجان السينمائي شكلاً وليس مضموناً، ومنها على سبيل المثال، مهرجان شرم الشيخ طيب الذكر ومهرجان الأقصر ومهرجان أفلام المرأة ومهرجان أفلام الموبايل ومهرجان أفلام الكوميديا، هذا بخلاف المهرجانات الأساسية المعترف بها مثل مهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان الإسكندرية ومهرجان الإسماعيلية والمهرجان القومي والمهرجان الكاثوليكي ومهرجان جمعية الفيلم وغيرها الكثير، وكلها مجرد تحصيل حاصل وتكرار للأفكار والصور والأشكال والمفاهيم والمضامين نفسها، لا توجد فروق جوهرية بينها وكلها مدعومة بميزانيات لا تقل في حدها الأدنى عن مليون ونصف المليون جنيه، كأبسط تقدير لتكلفتها التي لا عائد منها ولا طائل سوى الإغداق على النجوم والأبطال من المحظوظين والموعودين بالجوائز والتكريم!

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى