باحثة مصرية ترصد خطاب الأزهر وأزمة الحكم

شريف الشافعي

اعتبرت الكاتبة والباحثة بسمة عبدالعزيز أن ثورة 25 يناير 2011 بمصر أسهمت بشكل ملموس في كسر الفكرة الأبوية لدى الشعب، ويتجلى ذلك على وجه الخصوص في تفاعل المواطنين مع الخطاب السياسي، ومع الخطاب الديني سواء من الأزهر أو الكنيسة.

في ندوة ساخنة شهدها صالون “غوته” بمكتبة المعهد الثقافي الألماني بالقاهرة مساء الخميس 28 سبتمبر لمناقشة كتاب “سطوة النص: خطاب الأزهر وأزمة الحكم” الصادر حديثًا عن دار “صفصافة”، أشارت مؤلفته بسمة عبدالعزيز إلى وجود علاقة تاريخية وثيقة بين المؤسسة الدينية والسلطة السياسية منذ إنشاء الأزهر في القرن العاشر الميلادي.

 

الخطاب الديني

قالت عبدالعزيز إن هدفها من “سطوة النص” وغيره من مؤلفاتها الاجتماعية والسياسية، التي نالت عنها جائزة أحمد بهاء الدين، هو محاولة فهم معطيات الخطاب الديني، وتحليلها، وقراءة آليات عمل منظومة الحكم، والسلطة السياسية.

يركّز الكتاب على ما وصفته الباحثة بظهور الحكم الديني على يد “الإخوان المسلمين” في النصف الثاني من العام 2012، قبل أن تتدخل المؤسسة العسكرية مدعومة بتأييد شعبي كبير لإنهاء هذا الحكم بعد عام واحد فقط.

عن دور الأزهر في تلك المرحلة الثورية تقول بسمة عبدالعزيز “كان الأزهر لاعبا سياسيًّا فاعلا، وشكّلت خطب شيخ الأزهر وبيانات المشيخة نصوصا شديدة الثراء، خصوصًا تلك النصوص التي انتقدت تكفير الخروج على الحاكم أو تجريمه في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، فشكلت دافعا معنويًّا للشعب للقيام بثورته الثانية في 30 يونيو 2013”.

وأشار الكاتب أحمد شوقي علي، مدير “صالون غوته”، إلى أن كتابات بسمة عبدالعزيز الجريئة وضعتها ضمن أبرز 33 كاتبة ممّن يجرؤن على التغيير في مجتمعاتهن على مستوى العالم وفق اختيار المجلة العالمية “كلمات بلا حدود”، على أن ذلك لا يعني أنها تكتب عن المؤسسات السياسية والعسكرية والدينية بهدف الانتقاد، إنما تقصد دائمًا “تحليل الخطاب وتعريته وفهم علاقاته وتشابكاته الملتبسة، وقياس تفاعل الشعب معه في مراحل زمنية مختلفة”.

ويرى شوقي أن نجاح الشعب المصري في إنجاز ثورتين متتاليتين ينبني على عناصر كثيرة مترابطة، منها “تلك الكتابات المثمرة والحيوية والكاشفة لتفاصيل المجتمع، من قبيل مؤلفات بسمة عبدالعزيز المتعمقة”.

وفي حوارها المفتوح مع جمهور “صالون غوته”، أكدت أن نشرها الكتاب منحها حرية مطلقة لم تتح لها عندما تقدمت بكتابها هذا كأطروحة لنيل الماجستير، إذ لم تكتمل الرسالة الجامعية، بسبب قيود جامعية وشخصية على موضوع البحث.

الأزهر والسلطة

أهدت بسمة كتابها “إلى الساعين نحو تقويض أوجه السلطة المهيمنة، تلك التي تُسيء إلى عقول البشر، وتستخفُّ بإرادتهم.. إلى أصحاب الصوت النشاز في كلِّ وقتٍ وعصر”، مشيرة إلى أنها اختارت لكتابها مدى زمنيًّا محددًا لقراءة الخطاب الديني، يبدأ من أول يونيو 2013، وينتهي في آخر أغسطس من العام نفسه.

حققت الأشهر الثلاثة المختارة في الكتاب ميزة واضحة، هي وحدة الحدث الذي ربط بين النصوص على نحو ما، ووفر لها التماسك والتسلسل، وأهداها منطقًا مشتركًا وبناءً متينًا، وتعاملت الباحثة مع الخطاب بأكمله باعتباره “أثرًا للتفاعل الاجتماعي”، ورأت الفرصة سانحة للتعامل مع مادة مكثّفة خرجت إلى الوجود في فترة زمنية قصيرة نسبيًّا، كنتاج مُباشر لتفاعلات اجتماعية متواصلة بين أطراف متعددة.

بدا الأمر على هذا المنوال “مثاليًّا” للكشف عن أدوار الفاعلين، وطبيعة التفاعلات الكائنة بينهم، وكذلك عن أنواع الاستجابات التي يقدّمها خطاب في مواجهة آخر؛ مؤيّدًا كان أو مضادًّا.

وعن هذا تقول بسمة “قدّرتُ أن العوامل والمؤثرات التي أحاطت بخطاب مشيخة الأزهر؛ سواء ارتبطت بظرف سياسي بعينه، أو بعلاقات القوى الكائنة وموازينها في المجتمع، أو بمواقف السلطة وأدواتها وخطابها المقابل، أو حتى بعلاقات القوى وموازينها داخل المؤسسة الدينية ذاتها، قد لعبت دورًا مهمًّا في هذه الآونة”.

هذا الدور المهم الذي لعبته العوامل والمؤثرات، ليس فقط في تشكيل خطاب المؤسسة الدينية، وبلورته، وإخراجه في صيغته النهائية المطروحة للمتلقين، بل في تشكيل وعي المجتمع والأفراد، وتهيئتهم لقبول الخطاب ذاته إطارا ومحتوى.

 

وحول اختيارها “منهج التحليل النقدي للخطاب”، قالت الكاتبة إنها وجدت هذا المنهج هو الأنسب لموضوع البحث، لأنه يهتم بدراسة العلاقة بين الخطاب والسلطة، ويهدف من خلال أبسط تعريفاته إلى دراسة الكيفية التي يقوم النص والكلام عبرها بإنتاج وتقنين ومقاومة اعتداءات السلطة الاجتماعية وهيمنتها ولا مساواتها، كما يهدف إلى تعرية التناقضات الداخلية الموجودة في كل خطاب على حدة، وكشف التناقضات بين الخطابات المختلفة بعضها البعض.

تذهب الباحثة في كتابها المثير للجدل إلى أن المؤسسة الدينية تحمل وجهًا من وجوه السلطة المؤثرة على الصعيد الاجتماعي، وفي الوقت نفسه فإنها متفاعلة مع خطاب سلطة أخرى، هي السلطة السياسية.

وتؤكد أن “هناك علاقات متشابكة بين الأزهر الذي يمثّل المؤسسة الدينية الرسمية من ناحية، والسلطة السياسية الحاكمة، وجماعات التأييد والمعارضة من ناحية أخرى، وعمدت إلى الكشف عما أنجزته الأدوات اللغوية لتبرير مواقف وانحيازات المؤسسة الدينية، وإلى رصد وتحليل انعكاسات صراع السلطة وأزمة الحكم على الخطاب”.

وسعت عبدالعزيز إلى تحديد الشواهد المشيرة إلى موقع المؤسسة الدينية من السلطة السياسية، وعلاقتها بها، سواء كانت علاقة ندية أو خضوع أو سيطرة، وبحثت عن الأساليب البلاغية المستخدمة لدعم خطاب السلطة، أو على النقيض؛ اتخاذ موقف مناهض لها، وقد تتبّعت الشواهد الدالة على عملية إقصاء وتهميش قد تمارسها السلطة السياسية تجاه المؤسسة الدينية، أو تمارسها المؤسّسة الدينية تجاه جماعات أخرى.

مما رصدته الباحثة في دراستها أن خطاب الأزهر، والمؤسسات الدينية الرسمية، لم يكن في الفترة محلّ البحث داعما لشرعية السلطة القائمة؛ لـ“الإخوان المسلمين”، ولم يقف أمام الداعين إلى الخروج عليها.

من بين ما أشارت إليه الباحثة في “صالون غوته” أن الخطاب الديني يبدو متبدلا في بعض الأحيان إزاء قضية واحدة أو موقف غير متغيّر، وهذا ما يثبت ويبرز العلاقة المباشرة بين المؤسسة الدينية والسلطة السياسية، تقول “يتضح ذلك التبدل على سبيل المثال في بيانات الأزهر إزاء مسألة الخروج على الحاكم، ففي حين استنكرت البيانات ذلك الأمر في عهود سابقة، فإنها لم تجرّمه في عهد حكم الإخوان المسلمين”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى