رقصات العشق الخالد مستلهمة من شواطئ الشام

شريف الشافعي

على مدار أربع ليال متتالية، من 29 سبتمبر إلى 2 أكتوبر 2017، تحول “المسرح الكبير” بدار الأوبرا المصرية إلى متحف لاستضافة ليالي ألف ليلة وليلة، أو أحداث الباليه العالمي الشهير “القرصان”، الذي يعود إلى مصر من جديد بعد خمس سنوات من الغياب، ليشهد حضورا جماهيريّا كبيرا من المصريين والأجانب في طقس عجائبي آسر.

 

جاذبية وإبهار

أشعلت الأضواء الزرقاء المشهد جاذبية وغموضا مع فتح الستار، ليتحوّل المسرح إلى بحر أسطوري، حيث ميناء الشام؛ ميدان الأحداث المستلهمة من قصائد الشاعر الإنكليزي الشهير لورد بايرون (1788-1824)، والرقصات والحركات التعبيرية الرشيقة والموسيقى الأوركسترالية بنكهة مصرية إيطالية روسية، ليجد الحضور أنفسهم بصحبة القراصنة والجواري، تتخطفهم الأمواج، ويطهّرهم العشق، وتبارك أرواحهم السماء.

“باليه القرصان”، الذي يأتي عرضه في القاهرة في إطار برنامج دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتورة إيناس عبدالدايم لإحياء أبرز الكلاسيكيات العالمية، هو ثمرة تعاون بين فرقة باليه أوبرا القاهرة بإدارة أرمينيا كامل، وأوركسترا أوبرا القاهرة بقيادة المايسترو الإيطالي ديفيد كريشينزي، وهو من إخراج الراحل الدكتور عبدالمنعم كامل، الذي اشترك أيضا في تصميم رقصاته مع كل من ماريوس بيتيبا وفلاديمير فلاديميروف.

يجسد “باليه القرصان” تعاونا مصريّا إيطاليّا روسيّا على مستوى صناعة العرض، وأدائه من خلال الراقصين، ويأتي هذا التمازج متسقا مع أجواء العرض التي تدور بين الشرق والغرب، ومع موسيقاه التي تكاد تكون التقاء بين عطر شرقي معتّق وآخر باريسي أصيل.

واشترك في أداء موسيقى “القرصان”، وهو باليه من ثلاثة فصول، كل من آدم، بوجني، دريجو وديليب، وتقاسمت الشخصية الرئيسية ياسمين كل من آنيا آهسين وكاترينا إيفانوفا، ودور جولنار كل من كاترينا زيبرزنها ومريم كارابيتيان ورينا أوكاموتو، ولعب ممدوح حسن دور القرصان نورالدين، وتقاسم دور الخادم علي كل من أحمد نبيل ومحمـد فضلون.

وتدور أحداث القصة في بلاد الشام، وتحديدا عند أحد الموانئ، حيث تتحطم سفينة القراصنة إثر عاصفة شديدة بالقرب من الميناء، ولا يتبقى من السفينة إلا الحطام ونورالدين قائد السفينة وخادمه علي وبعض الأتباع.

وتتلاحق أنفاس المشاهدين مع أحداث الفصل الأول، إذ يأتي المشهد الأول على الشاطئ، وتنقذ ياسمين وجولنار بمساعدة بعض الفتيات كلًّا من القرصان نورالدين وخادمه علي من الموت المحقق، وحينئذ يقع نورالدين في عشق ياسمين، وتتعلق جولنار بحب علي. وبدوره، يأتي أحمد تاجر الجواري ومعه العسكر، فيختبئ القرصان ومن معه، وينجح أحمد في أسر الفتيات ومن بينهن ياسمين وجولنار.

وتتجلى سمات الإبهار في العرض الزاخم، بحركيته وشخصياته التي تملأ جنبات المسرح، ومؤثراته الضوئية والصوتية الخاطفة. وفي المشهد الثاني يندمج المشاهدون مع سوق الجواري المليئة بالتجار الذين أتوا لشراء الفتيات، ويدخل الثري سعيد باشا لشراء الجواري وينجح في شراء جولنار، لكن قبل أن يشتري ياسمين يدخل نورالدين بوصفه أحد التجار ويحاول شراء ياسمين، وتحدث مشاجرة بينه وبين سعيد باشا، فيكشف نورالدين عن حقيقته، لكن ينجح سعيد باشا بمساعدة العسكر في اختطاف ياسمين ويهرب بها، ويستطيع نورالدين القبض على التاجر أحمد ليرشده إلى مكان قصر سعيد باشا.

ويأتي الفصل الثاني حاملا قدرا أكبر من الإثارة والتشويق، وعلى صعيد آخر تتصاعد تجليات العشق إلى ذروة أعلى، ففي المشهد الأول بقصر سعيد باشا، تتجه الأنظار إلى جناح الحريم، حيث يطلب سعيد باشا من خدمه إحضار كل من ياسمين وجولنار، ويجد منهما رفضا لحبه، فيثور ويغضب خارجا من جناح الحريم.

وفي المشهد الثاني بحديقة القصر، يدخل أحمد ويتبعه نورالدين وعلي إلى الحديقة، وينجح أحمد في رشوة الحراس لفك أسر كل من ياسمين وجولنار، ويدخل سعيد باشا إلى الحديقة فيجد نورالدين ومعه ياسمين، فيأمر حراسه بالقبض على الحبيبين.

ويجسد المشهد الثالث الحديقة المسحورة بأحلامها وخيالاتها العشقية المذيبة، ففي أثناء الأسر، ومن شدة التعب، يغفو نورالدين ويحلم، فيرى حديقة القصر تتحول إلى حديقة مسحورة مليئة بالحسناوات، ويلتقي مع حبيبته ياسمين في هذا الحلم الجميل.

ويستيقظ نورالدين في المشهد الرابع بحديقة القصر، وينقضي الحلم، ليجد القرصان رفاقه من حوله، وقد استطاعوا أن يحرروه من الأسر، ليدخل في هذه اللحظة سعيد باشا ومعه الحراس، وتدور معركة شديدة بين الجميع حتى ينجح القراصنة في تحرير الفتيات والهروب بهن.

بُعد تاريخي للعشق

يمثل الفصل الثالث في الجزيرة صعودا جديدا إلى ما يمكن تسميته منتهى العشق، وكذلك مقام التسامح، ويصل القراصنة إلى الجزيرة سعداء بالفوز والغنيمة وتحرير الفتيات، ويحاول بعض القراصنة الانقضاض على تاجر الجواري أحمد، لكن نورالدين يخبرهم بأن أحمد هو الذي أنقذهم.

ويقدم نورالدين مسدسين ذهبيين هدية لأحمد، ويحتفل الجميع بالانتصار، وفي النهاية يصفح القرصان نورالدين عن أحمد ومن معه، ليلتئم الشمل وتنتهي قصة عشق ياسمين والقرصان نورالدين كما يليق بحبيبين.

العشق، كما يقدمه “باليه القرصان”، يكتسي بعدا تاريخيّا خصيبا وعمقا إنسانيّا يصل به إلى معنى من معاني الخلود. والفوز بالحبيبة ليس سهل المنال، الأمر الذي يجعل العرض بأسره منازلات متتالية تصب في مصلحة تلبية نداء القلب، والانتصار لدقاته حتى النفس الأخير من العمر.

“باليه القرصان” نفسه، يكتسب أهمية مضاعفة من تاريخيته، بوصفه يعكس انجذاب المبدعين الأوروبيين في القرن التاسع عشر إلى سحر بلاد الشرق الإسلامي.

واقتبست قصة “باليه القرصان” من “قصيدة القرصان” للشاعر الإنكليزي الشهير لورد بايرون، التي قدمها في العام 1914، فكانت مصدر إلهام للكثير من الأعمال المسرحية والموسيقية بعد ذلك. وقدمت فرقة المسرح الملكي للموسيقى العرض الأول للباليه في 23 من يناير 1956، ليحقق نجاحا كبيرا.

ويشكّل “باليه القرصان” مزيجا من أجواء الشرق المميزة وعناصر الباليه الكلاسيكي الغربي، الذي ينعكس بوضوح على الموسيقى والديكور والملابس وتصميم الرقصات، منتقلابين عوالم الشرق والغرب..

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى