128 تشكيليا يرسمون وجه مصر

شريف الشافعي

شكّل غياب وزير الثقافة المصري حلمي النمنم عن افتتاح الدورة التاسعة والثلاثين (من 20 سبتمبر إلى 8 أكتوبر)، للمعرض العام تساؤلًا كبيرا، إذ لم يكن معتادًا في السنوات الماضية أن يعتذر وزير الثقافة عن الحدث الجماعي الذي يعده التشكيليون بمثابة “رسم وجه مصر بألوان الطيف المختلفة”.

خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية الذي تولى افتتاح المعرض بقصر الفنون بدار الأوبرا المصرية لم يقدّم بدوره تفسيرًا لغياب الوزير، وأشار في حديثه إلى أن المعرض العام مناسبة متجددة تقدم رصدًا مهمًّا للمشهد التشكيلي المصري المعاصر وهذا المقصد هو جوهر وجود هذه الفعالية الفنية القومية على خارطة الأنشطة التشكيلية السنوية.

تُمثل دورية انعقاد المعرض العام بانتظام امتدادًا معرفيًّا يمكن من خلاله رصد وتحليل المنحنى الدال على مسيرة التشكيل المصري الرائد سواء إيجابًا أو سلبًا، ومن ثم فإن سرور يتطلع إلى أن تكون هذه الدورة دافعًا جديدًا محفزًا لفناني مصر لطرح تجارب جديدة وجريئة، وأن يأتي هذا الحوار البصري الإبداعي لائقًا بمكانة التشكيل المصري وريادته.

 

روح مصرية شعبية

يُشارك في الدورة الـ39 من “المعرض العام” 128 فنانًا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عامًا ويمثلون أجيالًا وتيارات وميادين مختلفة، من بينهم هشام نوار، صبري عبدالغني، محسن منصور، رباب نمر، إيمان حكيم، عبدالسلام عيد، آدم حنين، عبدالوهاب عبدالمحسن، عادل ثروت، عصام درويش، مصطفى حسني، أحمد السطوحي، أيمن لطفي، سهير عثمان، سعيد بدر، صلاح المليجي، مصطفى عبدالمعطي، أحمد عبدالكريم، حمدي أبوالمعاطي، عزالدين نجيب، مرفت الشاذلي، إضافة إلى غيرهم من الفنانين التشكيليين.

سادت الملامح والوجوه المصرية كثيرًا خصوصًا في إطار الأحياء الشعبية والقرى الريفية والصعيد، وتناسجت المشاهد اليومية البسيطة والعابرة مع الأساطير والحكايا التراثية والقصص والسير والملاحم المرويّة جيلًا بعد جيل، وتنوعت الجذور المستمدة منها تجليات الفنانين المعاصرين ما بين عناصر الفن الفرعوني ووحدات الفن الإسلامي في انصهار مع اتجاهات الفن الحديثة الوافدة، كما يتجلى على سبيل المثال في أعمال عبدالوهاب عبدالمحسن وعادل ثروت وصبري عبدالغني ورباب نمر.

هذه الروح الشعبية يمكن استشفافها أيضًا في مفردات وخامات بعض الأعمال كما لدى الفنان عبدالسلام عيد، حيث يتعاطى مع الحبال والكراتين والأوراق وغيرها من منسوجات البيئة التي يصورها، فيبدو التكوين الكلي منسجمًا مع ذاته، مثلما أن الثيمات التشكيلية تتلاقى وتتجاور لدى الفنان وتمتزج في بوتقة واحدة تتسع للتصوير والنحت والكولاج معًا.

المجسّمات، في جانب آخر من المعرض العام، كما لدى مصطفى حسني وعصام درويش تحتفي بالانطلاق وليس بالسكون، وتحفّز الكتلة المهيمنة على الفراغ الجسد الإنساني على التحول إلى طاقة لا محدودة وتأتي تشكيلات الطيور والحيوانات لتفسح مجالًا أرحب للحركة وتغذية الشعور بالقدرة على تجاوز ما هو كائن إلى أفق جديد متسع.

 

مكرمون ومنسحبون

المكرّمون في المعرض العام أربعة من الفنانين الكبار اختيرت أعمال لهم للعرض منفردة في “قاعة الباب” بدار الأوبرا المصرية احتفاءً بدورهم الممتد في حركة التشكيل، وهم جابر حجازي، سعيد حداية، أحمد شيحا، جميل شفيق.

التشكيلي جابر حجازي (1936-2016)، رسّخ ريادته مبكرًا في ساحة التجريد المصري الحديث وتحررت لديه الكتلة النحتية من عقالها وانطلقت بشحنة تعبيرية عارمة وتخلت عن الثبات الهرمي المعتاد لتبحث عن توازن إيقاعي من نوع فريد.

والفنان سعيد حداية (1937)، هو أحد كبار فناني الجرافيك الذين حلّوا إشكالية المواءمة بين الهوية المصرية والحداثة الأوروبية ونجح في تحقيق تلك المعادلة الصعبة بغير تنازل عن قيم الشكل الحداثي المعاصر ولا عن علامات ودوال الروح الشعبية بمخزونها التراثي الممتد عبر التاريخ.

التشكيلي أحمد شيحا (1945) فنان مهموم عادة بامتلاك شكل خاص يحمل رؤى فكرية حول مصر النهضة والحضارة ومشغول بتحقيق هوية ذاتية كبصمة فريدة تتناغم مع الهوية الحضارية من خلالها يتواصل مع ذائقة الشعب ويحلم بأن يحرك سواكنه ويتخذ من رموز الحضارة المصرية القديمة وشواهدها ومومياواتها ومن تجليات بعض الحقب التاريخية المتعاقبة مثيرات بصرية محركة للخيال عبر صياغات تشكيلية معاصرة.

أما الفنان جميل شفيق (1938-2016) فهو عاشق الحبر الأسود كعازف على آلة موسيقية يجعل من أنغامها المنفردة أوركسترا بأكمله، ولديه القدرة دائمًا على جعل درجات الظلال والخطوط النحيلة بالغة الرهافة قادرة على صنع منظومة ألوان شديدة الثراء تكوّنها عين الخيال لديه ولدى مشاهدي أعماله في آن.

 

على الرغم من اتساع المعرض العام لتجاور أعمال 128 فنانًا في الفضاء الفسيح لدار الأوبرا المصرية فإن بعض الفنانين تغيبوا عن المعرض واعتذروا عنه وانسحبوا منه احتجاجًا على أسلوب عرض الأعمال أو لأسباب إدارية وتنظيمية أخرى.

من هؤلاء التشكيلي أحمد مصطفى الذي اعتذر عن عدم المشاركة احتجاجًا على عرض لوحته بقاعة في متحف محمود مختار بدلًا من قصر الفنون، والفنان محمد عبلة الذي اعتذر بسبب عدم تلقيه “دعوة رسمية” من قطاع الفنون التشكيلية وتمت دعوته للمشاركة باتصال هاتفي.

كذلك انسحبت الفنانة سحر الأمير اعتراضًا على وضع عملها ضمن أعمال “النسيج” على الرغم من كونه في “التصوير”، وانسحب التشكيلي محمد اللبان احتجاجًا على عرض عمله المصنوع من الجرانيت بطريقة ارتآها لا تخدم مشاهدته بوضوح من الاتجاهات كلها.

 

أزمة الاختيار

إشكالية أخرى واجهت المعرض العام في دورته التاسعة والثلاثين هي استبعاد بعض الفنانين من المشاركة في المعرض من قبل لجنة الفرز وتحكيم الأعمال الفنية حيث أثار عدد من هؤلاء التشكيليين المستبعدين ضجة حول أحقيتهم في المشاركة الأمر الذي دفع القوميسير العام للمعرض حمدي عبدالله إلى التوضيح أن هناك أساسيات موضوعية تحكم اختيار الأعمال المشاركة.

وفي كلمة بعنوان “المعرض العام.. تاريخ وقيمة” أوضح حمدي عبدالله أن هناك معايير حاكمة للانتقاء منها القيمة الفنية والابتكارية للأعمال وتقديمها صورة واقعية لما تحويه حركة الفن التشكيلي المصري في مجالات وتيارات متميزة، وقال القوميسير العام “هذه أهم الأسس وراء اختيار الأعمال المقدمة للمعرض العام”.

وذهبت داليا مصطفى رئيسة الإدارة المركزية لمراكز الفنون إلى أن الدورة الـ39 من المعرض العام تبرهن على أن هذا الحدث، دون غيره، هو “المرآة الحقيقية للحركة التشكيلية المصرية التي تعكس صورة واقعية لما وصل إليه الفن المصري بشكل عام وما حققه كل فنان من تقدم وتطور في تجربته بشكل خاص”.

من بين منجزات المعرض إتاحته الأعمال الفنية للجمهور بسهولة، كما أنه وفّر للمختصين والمهتمين والمتلقين عددًا من الدراسات النقدية والأبحاث التي ترصد تأثير الحركة الفنية المصرية في ما يحدث من تغيرات عالمية وتأثّرها به ومدى قدرة الفن المصري على الحفاظ على أصالته وهويته.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى