مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي في دورته الـ 24: لم يحصد إلا إشادة ضيوفه وأتباعه المعهودين

محمد عبد الرحيم

سيظل الوضع الثقافي انعكاساً صادقاً إلى حدٍ كبير للوضع السياسي القائم، ويبدو أن سياسات الصخب هي الشغل الشاغل لمسؤولي المهرجانات والفعاليات الثقافية أو الموسومة بالثقافية، بما أنه في الأول والآخر يحوز ثقة السلطة السياسية التي وثقت في قدراته الإدارية الخارقة. ومنذ العام الفائت تحوّل اسم مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي إلى «مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبــــي»، بدون محاولة معرفة التفرقة ما بين المعاصرة وفكرة التجريب وأهدافها، إضافة إلى إلغاء الجوائز، بحجة عبقرية تنفي حالة التنافس، التي وصفها رئيس المهرجان سامح مهران، وأكد عليها منسق عام المهرجان ناصر عبد المنعم بالتبعية، فيقول الأول إن «إلغاء نظام التسابق يهدف إلى إزالة روح الفرقة والصراع بين الدول وهذا يعد رسالة من الممكن عكسها على الواقع السياسي أيضا، فبث مثل هذه الرسائل نضعها على عاتقنا كمثقفين تنويريين».
وقد شارك في المهرجان الذي قام عليه التنويريون، والذي انعقد في الفترة حتى 19 أيلول/سبتمبر، 24 عرضاً مسرحياً، بواقع 7 عروض مصرية، و5 عروض عربية، و12 عرضاً أجنبياً، إضافة إلى الندوات التنظيرية والتقعيرية المعهودة، التي حملت عناوين من قبيل «تفكيك الفرضيات الثقافية والخطاب السائد في المسرح»، أو «أشكال المسرح المعاصر وقضية المعنى». وفي الأخير تم تكريم بعض الشخصيات المسرحية، مثل إريكا فيشر من ألمانيا، المغربي حسن المنيعي، الأمريكي مارفن كارلسون، والصيني مينج جين خوي، واسم الراحل محفوظ عبد الرحمن، من قِبل وزير التنوير (الثقافة سابقاً).

التجريب والمعاصرة

بغض النظر عن مفهوم المعاصرة، وبالنظر إلى اشتراك العروض المسرحية المصرية في المهرجان، نلاحظ أن هذه العروض كانت مُقامة بالفعل قبل بداية المهرجان، عروض تنتمي إلى مسرح الدولة في الغالب، ومعظمها في غاية التواضع، وتنتمي إلى أساليب وموضوعات مسرحية غارقة في التقليدية، فلابد من تمثيل مصر في المهرجان، وبالتالي جاءت مشاركة هذه العروض كيفما اتفق وبمصادفة عرضها في مثل هذا التوقيت، وهو من سبيل مشاركة تحصيل الحاصل لا أكثر ولا أقل. والأكثر من ذلك هو حتمية مشاركة كل من العرضين الفائزين بالمركز الأول والثاني في المهرجان القومي للمسرح المصري، حتى إن كان لا يتسم لا بالمعاصرة ولا التجريب بالطبع، وهو ما يتنافى والفكرة التي نشأ المهرجان من أجلها، كما جاءت دورته الأولى عام 1988. وهي رؤى وأفكار وتجارب مسرحية مختلفة لم تستسلم بعد لثباتها كقاعدة، بل مجرد فعل مسرحي في محل تجريب، بحيث يصبح الأفق الخيالي والجمالي أكثر رحابة، ولا يخضع بالتالي لأي قواعد ورؤى مُسبقة، على المستوى الفكري والتقني والأدائي.
ووفق هذه الأطر التجريبية لن نجد وقتها مشاركة لأي عرض مصري.

ندوات التنمية البشرية

من خلال متابعة عروض الفرق المسرحية المصرية (المستقلة)، التي في الغالب تتفوق على عروض فرق الدولة وممثليها المرموقين من قِبل الدولة، نجد الكثير من الوعي بفن ودور المسرح، وبالطبع لا تلقى مثل هذه العروض دعماً أو دعاية ورعاية مناسبة من الدولة ومسؤولي وزارة التنويريين، الذين يكتفون بإقامة ندوات أغلبها يتسم بالبلاغة الميتة، والأفكار المُستهلَكة، وكأنها منقولة عن مؤلفات سيئة الترجمة، وبالتالي يصبح جمهورها من الأصدقاء ومدمني الدعاية لرئيس المهرجان ومنسقه العام، الذي لم يتورع عن القيام بإخراج حفل الافتتاح، ويترأس لجنة المشاهدة في الوقت نفسه. أما بخصوص الورش الفنية ــ محل تباهي المسؤولين ــ فنرى أنها لا تستلزم قيام مهرجان حتى يمكن أن يستفيد منها شباب المسرحيين، الأمر أصبح يقترب في كل محافل الوزارة بندوات أشبه بمحاضرات (التنمية البشرية)، بحيث يظن مَن يحضرها أو يوحون له بأنه سيصبح بعدها فناناً مسرحياً كبيراً أو قديراً، ضمن درجات فناني مسارح الدولة الموظفين، بأن يكون برتبة فنان كبير أو قدير، وكل ما شابه من هذه المسميات الفارغة.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى