رواية الكوابيس تنال جائزة الأدب العربي بباريس

محمد يوسف

أعلن مؤخرا معهد العالم العربي بباريس عن الرواية العربية الفائزة بجائزة “الأدب العربي” التي تقدم للروايات العربية الصادرة بالفرنسية، ومنحت الجائزة هذا العام للروائي العراقي سنان أنطون عن عمله الروائي “وحدها شجرة الرمان” الصادرة عن دار “آكت سود” بترجمة ليلى منصور.

والجدير بالذكر أن قائمة الروايات المتنافسة شملت روايات “خمسون غراما من الجنة” للكاتبة اللبنانية إيمان حميدان، و”طائر أزرق يحلق معي” للمغربي يوسف فاضل، و”الامحاء” للجزائري سمير تومي، و”ابنة سوسلوف” لليمني حبيب عبدالرب سروي، و”امرأة بلا كتابة” لصابر المنصوري، بالإضافة إلى روايتين حصلتا على تنويه من لجنة التحكيم وهما “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” لخالد خليفة و”الموت افتتان” لياسمين شامي.

 

كوابيس الطفولة

تنقل رواية “وحدها شجرة الرمان” أحداثاً ضربت العراق، وأثرت تأثيراً عميقاً على حياة أفراده فصارت تواريخهم الشخصية متوائمة مع مآس عامة احتلت، وستحتل، قلب أي حكاية شخصية بدأت خيوطها بالبزوغ في ذلك الزمن. صحيح أن الصفة السابقة قد تكون من سمات أي أدب مرتبط بتحولات كبرى في أي مكان من العالم، إلا أننا نجدها في “وحدها شجرة الرمان” شديدة المركزية وتشكل أحد الأسئلة الكبرى التي تؤرق أبطال الرواية، كما أنها أداة للفهم والسؤال نحو الحدث العام والعالم والتاريخ والضحايا.

تروي “وحدها شجرة الرمان” حكاية جواد/ الراوي برؤية كابوس يرافقه منذ البداية ومنه نتعرف على ذاكرة مدماة تحاصرها الكوابيس. منذ أن كان طفلاً وشهد الحرب العراقية الإيرانية، وصولاً إلى ما بعد الغزو الأميركي للعراق.

البطل هو الراوي الأوحد، العارف، والذي عن طريقه سنعبر إلى تواريخ البشر والأمكنة في العراق البلد الذي عرف ما عرفه من دكتاتورية، جلبت له الحرب والحصار والغزو والاقتتال الداخلي.

يعمل جواد منذ نعومة أظافره بتغسيل الموتى، المهنة التي ورثها أباً عن جد. سنتعرف عليه منذ لحظات تورطه في هذه المهنة، ويبقى الصراع الداخلي عند البطل متعلقاً بسؤال رفض هذه المهنة، لنكتشف مع آخر أحداث الرواية أن الخلاص من هذه المهنة هو خلاص من سلسلة عذابات طويلة، بمعنى آخر “خلاص من عراقيتك”. تطارده المهنة كشبح ثقيل، وتشبه إلى حد كبير ذاكرة الراوي في نهاية الحكاية التي بدت وكأن السنين قد فعلت فعلتها فتركت ما تركته من ندوب لا يمكن لأجيال قادمة تجاهل آثارها.

تتقاسم السرد ثلاثة أزمنة تسير متداخلة في ما بينها، يشدها الراوي من أطرافها نحو مكان وسطي يقيه من ضياعها وتبعثرها. وتكمن فجائعية الأزمنة السابقة في قدرتها التوليدية وارتباطاتها: الأول هو زمن مغسّل الموتى الذي تبدو ظلاله متجاوزة لخارطة العراق، والثاني هو زمن الراوي الخاص المرتبط بالنحت الذي يمثل ملجأ شخصيا من قسوة كل ما يحيط بك. أما الثالث فهو زمن المغسل الذي شكل كفضاء منطلق الحكاية ونهاياتها.

 

مرآة الموت

يتسع فضاء المغسل ويمتد ليشمل جامعات وشوارع وأحياء كانت تعج بفعل حركة دخول وخروج الجثث، بما حوّله إلى مرآة تعكس عنف الواقع. يطل الموت من كل جانب، ويكاد يكون مصير معظم الشخصيات في الرواية.

يفقد البطل أخاه أمير في الحرب الإيرانية، ويموت والده أثناء الغزو الأميركي للعراق، وتفقد المئات من الشخصيات حياتها بطرق مختلفة سواء بالتفجيرات أو الحروب. ضمن كل الموت السابق، لا مأوى للراوي سوى التماثيل والرسومات، تؤنسها، فيحدثها ويتحرك معها تارة، وتارة يقضي معظم أوقاته في المغسل بالرسم.

تطل العلاقة بين الموت والفن عند شخصية البطل فتؤسس لمكانتها، وتصوغ هذه العلاقة سؤال البطل طيلة الرواية.

“وحدها شجرة الرمان” رواية تعج بتفاصيل التاريخ العراقي، الشعبي منه والرسمي. عمل سردي، تتلاحق فصوله كسلسلة كابوسية، إلا أن مفردات الجمال والدهشة في الحياة العراقية تجبرك على تأملها. صحيح أن الجو العام للرواية مشبع بالأسى، لكنه يسرد حكايات عن بلد في تاريخه القريب والبعيد أنتج حياة وموسيقى وثقافة وأفكارا وطنية.

إلا أن سلسلة الحروب المتلاحقة مزقت أحشاء البلد نفسه، وحولته إلى مغسل للأموات يشبه كثيرا المغسل في الرواية، وخاصة في جزئها الأخير الذي أينما نظرت فيه أجزعتك الكوابيس، ولا سيما عند شجرة الرمان الموجودة عند المغسل التي يقول عنها في الرواية “عجيبة هذه الشجرة التي تشرب ماء الموت منذ عقود إلا أنها تنمو وتزهر”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى